فإنه يجد فى طى ذلك العجب العجاب ويحقق بما أمكنه من إدراكه إعجازه لذوى العقول والألباب وان أبلغ وأحسن ما نطقت به بلغاء العرب من ذوى الأحساب والرتب المختصين من بين الأمم المميزين عن سائر أصناف العجم بما منحهم الله تعال به من اللسان العربى المبين إذا نسبه إلى الكلام الربانى واللفظ اللاهوتى وجد النسبة بينهما على نحو ما بين اللسان العربى والأعجمى ولعلم من نفسه ما اشتمل عليه من الإعجاز والبلاغة والايجاز وإن ذلك مما تتقاصر عن الاتيان بمثله أرباب اللسان وتكل عن معارضته الانس والجان قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
فإنك ألا ترى إلى فصيح قول العرب فى معنى ارتداع سافك الدم بالقتل القتل أنفى للقتل وفى قوله تعالى فى القصاص حياة وما بينهما من الفرق فى الجزالة والبلاغة والتفاوت فى الحروف الدالة على المعنى ومن كان أشد تدربا ومعرفة بأوزان العرب ومذاهبها فى اللغات وأساليبها في العبارات كان أشد معرفة بإعجاز القرآن وأسبق إلى التصديق والإيمان كما أن من كانت معرفته بعلم الطبيعة فى زمن إبراهيم وعلم السحر فى زمن موسى والطب فى زمن عيسى أشد كان أشد معرفة بالإعجاز وأسبق للتصديق والقبول لما جاء به الرسول .
كيف والعرب مع شدة بأسها وعظم مراسها ومنعتهم عن أن يدخلوا فى حكم حاكم ونبوتهم عن أن يقبلوا رسم راسم منهم من أجاب بالقبول وأذعن بالدخول ومنهم من نكل عن الجواب واعتضد بالقبائل والأصحاب ولم يرض غير القيل والقال والحرب والنزال فاستنزل بالعنف عن رتبته وأخذ بالقهر مع نبوته فلو أن ذلك مما لهم سبيل إلى