فمن جملتها القرآن المجيد الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فإن من نظر بعين الاعتبار وله قدم راسخ فى الاختبار اعلم أن القرآن من أظهر المعجزات وأبلغ ما تخرق به العادات وأن ذلك مما لا يدخل تحت طوق البشر ولا يمكن تحصيله بفكر ولا نظر لما اشتمل من النظم الغريب والأسلوب المخالف لما استنبطه البلغاء من الاوزان والأساليب مع الجزالة والبلاغة وجمع الكثير من المعانى السديدة في الألفاظ الوجيزة الرشيقة وإليه الاشارة بقوله عليه السلام أوتيت جوامع الكلم واختصرت لى الحكمة اختصارا وذلك كما دل على وحدانيته وعظم صمديته والإرشاد لمن ضل إلى معرفته بقوله يسقى بماء واحد ونفصل بعضها على بعض فى الأكل فانه بينة على أن ذلك كله ليس إلا بمشيئته وإرادته وأنه مقدور بقدرته وإلا فلو كان ذلك بالماء والتراب والفاعل له الطبيعة لما وقع الاختلاف .
ومما كثرت معانيه وقل لفظه على أتم بلاغة وأحسن فصاحة قوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين فإنه مع قلة ألفاظه ورطوبتها قد دل على العفو عن المذنبين وصلة القاطعين وإعطاء المانعين وتقوى الله وصلة الأرحام وحبس اللسان وغض الطرف وغير ذلك من المعانى .
ومن أراد زيادة الاختبار فعليه بالاعتبار والنظر فى مجمله ومفصله ومحكمه ومتشابهه