وأما أهل التحقيق فلم يمنعوا من جواز إجراء مثل ذلك على يدى من ليس بنبى لكن منهم من قال إن ذلك لا يقع إلا من غير إيثار واختيار بخلاف المجزة وذلك كله مما لا نرتضيه فإنه ما من أمر يقدر من الأفعال الخارقة وغير الخارقة إلا وهو مقدور لله تعالى أن يظهره على يدى من شاء من عباده على حسب إيثارة واختيارة وإنكار ذلك يجر إلى التعجيز وإبطال كون الفعل مقدور لله تعالى وهو مستحيل .
ثم كيف ينكر وقوع مثل ذلك مع اشتهار ما جرى من قصة أصحاب الكهف وأمى ! موسى وعيسى وما تم لهما من الآيات الغريبة والأمور العجيبة التى لم تجر العادة بمثلها ولم يكونوا أنبياء إجماعا بل وما جرى للسحرة في أيام جرجيس وموسى عليهما السلام وليس ذلك مما يفضى إلى تكذيب النبى إذ ليس شرط المعجزة إلا يؤتى بمثلها وإلا لما جاز أن يأتى النبى بما أتى به الأول وهو خلاف المذهبين بل شرطها أن تقع موقع التصديق له فيما يدعيه كما سلف .
وما ذكروه من تجويز انخراق العادات فى زمننا فهو إنما يستحيل بالنظر إلى العادات لا بالنظر إلى العقليات كما سبق تحقيقه فإذا الفرق المرضى ليس إلا فى أن المعجزة واقعة على وفق الدعوى دون غيرها من الأفعال ولا افتراق بينهما فى الجواز العقلى او فى غير ذلك