ولهذا فإن من كان غائبا من مجلس الملك ولم يشاهد عرشه ولا حالة من الأحوال لو نظر إلى مجرد هذا أوجب ذلك عنده التصديق والتحقيق من غير التفات إلى شئ غيره .
وأما ما ذكروه فى تطرق الكذب إلى حكم الله تعالى فتهويل ليس عليه تعويل لكن من الاصحاب من قال فى الجواب إن إثبات الرسالة مما لا يفتقر إلى نفى الكذب عن الله تعالى فى حالة الإرسال فإنه لا يتوقف تصحيح الرسالة على الإخبار بأنه رسول فى الماضى حتى يصح أن يدخله الصدق والكذب بل إظهارالمعجزة على يده واقترانها بدعوته ينزل منزلة الإنشاء لذلك والأمر به وجعله رسولا فى الحال وهو كقول القائل وكلتك فى أمرى واستنبتك فى أشغالى وذلك مما لا يستدعى تصديقا ولا تكذيبا .
وهو غير مرضى فإن المعجزة لو ظهرت على يد شخص لم يسبق منه التحدى لم تكن آية في النبوة ولا دليلا له فى الرسالة إجماعا فلو كان ظهور المعجزة على يده ينزل منزلة الإنشاء للرسالة والأمر بالبعثة لوجب أن يكون مثل هذا هنا وليس كذلك وإذا لم يكن بد من القول بالتحدى علم أن ذلك ليس ينزل منزلة الانشاء المطلق بل لا بد فيه من الخبر لتصديقه فيما أخبر به أنه نبى ورسول لضرورة اشتراط التحدى سابقا والتصديق بذلك والعلم به مع قطع النطر عن بيان استحالة الكذب في حق الله تعالى محال .
والذى يخمد تأثره هذا الإشكال ويقطع دابر هذا الخيال وإن كان عند الإنصاف فى التحقيق عويصا هو أن يقال إن القول باستحالة الكذب فى حق الله تعالى مما لا يستند إلى سمع ولا إلى التحسين والتقبيح وإن حصر مدرك ذلك في هذين باطل بل المدرك فى ذلك أن يقال قد ثبت كون البارى تعالى عالما متكلما