الوجه الثانى أنه وإن وقع الاتفاق على تحسين كل ما حسنوه وتقبيح كل ما قبحوه فلم يقع الاتفاق على كون الحسن والقبح ذاتيا ولا يلزم من الاتفاق على كون الشئ الواحد حسنا أو قبيحا أن يكون قد سلم كون الحسن والقبح له ذا تبين .
ولا يلزم من عدم جواز اتصاف البارى بكونه جاهلا أن يكون ذلك لكون القبح للجهل وصفا لزاما وأنه لذاته قبيح بل لكون الدليل القاطع قد دل على وجوب العلم له وكونه عالما ولو جوزنا أن يكون جاهلا لجوزنا أن لا يكون عالما وذلك خلاف ما اقتضاه الدليل القاطع والا فلو جوزنا النظر إلى مجرد الجهل لم يقتض ذلك كون القبح له ذاتيا فإنه وان صح تقبيحه بالنسبة إلى من خالف غرضه بسبب عدم اطلاعه على المعلومات وإحاطته بالمعقولات فقد علم بحسنه من وافق جهل هذا الجاهل غرضه وذلك كما نحكم على كون القتل قبيحا بالنسبة إلى المقتول وأوليائه وتحسينه بالنسبة إلى حساده واعدائه وهذا واضح لا خفاء به وبهذا التحقيق يقع التفصى عن كل ما يرد من هذا القبيل .
وإذا بطل أن يكون الحسن والقبح ذاتيا لم يبق معنى للحسن والقبح إلا ما ذكرناه ويلزم منه منع جواز إطلاق القبح على أفعال الله تعالى لعدم وروده على لسان الشرع المنقول وعدم تأثير مخالفته لأغراض أصحاب العقول