ثم كيف السبيل إلى جحد انتفاء الغرض عن أفعاله مع وقوع ما بيناه من الأفعال التى لا غرض فيها وما قيل من أن فائدة خلق الحادثات المعدنيات وغيرها إنما هو انتظام حال نوع الانسان والاستدلال بها على وجوب وجوده وعظم جلاله في وحدانيته فلا يصلح أن يكون غرضا وإلا لوجب حصوله من كل وجه على نحو لا يختلف من وجه ما و الا عد عاجزا عن تحصيل غرضه من ذلك الوجه .
ولم كان هلاكه لما خلق لأجل صلاحه وانتظام أحواله وذلك كما في حق الغرقى والحرقى والمسمومين والهلكى بالرياح العاصفة كما مضى فيمن هلك من الأمم السالفة بل وكم من تارك النظر في الآيات والدلائل الباهرات ولم يلتفت إلى ما فيها من جهات الاستدلالات ولهذا لو نسبنا الناظر المؤمن إلى الجاحد الكافر لم يجده إلا قليلا من كثير ثم لا محالة أن فائدة الاطلاع على وجوب وجود واجب الوجود ومعرفة وحدانيته لا سبيل إلى القول بعودها إليه إذ هو يتعالى ويتقدس عن الأغراض كما سبق فلا بد وأن يعود إلى الناظر وتلك الفائدة عند البحث عنها لا تخرج عن الالتذاذ بنفس المعرفة والثواب عليها وذلك كله مقدور أن يحصله الله تعالى للعبد من غير واسطة بأن يخلق له العلم بديا بمعرفته وأن ينيله الثواب الجزيل بدون النظر إلى نظره وطاعته وعلى هذا يخرج القول بوجوب التكليف أيضا .
ولا يصح أن يقال إن الثواب على النظر والمشاق اللازمة بالفكر والتزام الطاعات بفعل المأمورات واجتناب المنهيات ألذ من أن يكون بديا لانتفاء المنة والامتنان فإنا نلوذ بجناب الجبروت ونستعيذ بعظمة الملكوت ممن يتجاسر على