كل قارئ وكتابة كل كاتب وزعم أن الكلام إنما هو حروف منظومة تقارن الأصوات المتقطعة وليست الحروف نفس الأصوات المتقطعة ولا يخفى ما في ذلك من مخالفة المعقول فإن عاقلا ما لا يمارى في أن ما نسمعه من الأفواه إنما هو أصوات متقطعة منسقة منتظمة نوعا من الانتظام تخرج من مخارج مخصوصة وأيضا فإنه لا يعقل معها مقارنة غيرها غيرها أصلا على ان لا تنازع في أن ما جاء به الرسول من الحروف المنتظمة والأصوات المقطعة معجزة له وأنه يسمى قرآنا وكلاما وأن ذلك ليس بقديم وإنما النزاع في مدلول تلك العبارات هل هو صفة قديمة أزلية أم لا .
وعلى التحقيق فالخبط إنما نشأ لأهل الضلال ههنا من جهة اشتراك لفظ القرآن فإنه قد يطلق على المقروء وقد يطلق على القراءة التي هي حروف وأصوات ودلالات وعبارات ومنه قول النبي A ما أذن الله لشئ إذنه لنبى حسن الترنم بالقرآن أي القراءة ومنه قول الشاعر ... ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقراءنا ... .
معناه قراءة وذلك كما قد تطلق العرب اسم الكلام على المعنى تارة وعلى العبارات أخرى ولذلك يقولون كلام صحيح حسن إذا كان مستقيما وإن كانت العبارة غير مستقيمة بأن كانت ركيكة أو ملحونه أو مخبطة وقد يطلقونه على العبارة عند كونها معبرة صحيحة وإن كان المعنى في نفسه فاسدا لا حاصل له فلما وقع الاشتراك في الاسم ارتفع التوارد بالنفى والإثبات على محز واحد فإن ما أثبتوه معجزة لا نثبت له القدم وما أثبتنا له القدم لا يثبتونه معجزة