وأما القول بأنه إذا جاز وجود مأمور ولا أمر جاز وجود أمر لا مأمور فهذا إنما يتحقق أن لو صح وجود مأمور ولا أمر والخصم ربما لا يسلم ذلك بل له أن يقول كل مأمور فلا بد له من امر يتعلق به لكن ذلك الأمر قد يكون وجوده تقديرا بالنسة إليه كما يقدر وجود العقد في البيع والنكاح بالنسبة إلى تحقيق ثمراته وأحكامه أما أن يكون مأمور من غير أمر فلا وإذ ذاك فلا يلزم من تقدير وجود الأمر عند وجود المأمور وتعلقه به تقدير وجود المأمور لأن يتعلق به الأمر فإنه غير مفيد إلا مع وجود شرطه وهو العلم والفهم وذلك متعذر في حق المعدوم وعلى هذا يخرج الإلزام بالقدرة إذ القدرة ليست عبارة إلا عن معنى يتأتى به الإيجاد فيما هو ممكن أن يوجد وذلك متحقق بدون وجود المقدور فلئن رجع في تقديرة جواز تعلق الأمر بالمعدوم ومن لا فهم له إلى ما أسلفناه كان ذلك كافيا ووجب الاعتناء به .
وأما ما قيل من أن القرآن معجزة الرسول فيمتنع أن يكون قديما فتهويل لا حاصل له فإنا مجمعون على أن القرآن الحقيقى ليس بمعجزة الرسول وإنما الاختلاف في أمر وراءه وهو أن ذلك القرآن الحقيقى ماذا هو فنحن نقول إنه المعنى القائم بالنفس والخصم يقول إنه حروف وأصوات أوجدها الله تعالى وعند وجودها انعدمت وانقضت وأن ما أتى به الرسول وما نتلوه نحن ليس هو ذلك وإنما هو مثال له على نحو قراءتنا لشعر المتنبى وامرئ القيس فإنه ليس ما يجرى على ألسنتنا هو كلام امرئ القيس وإنما هو مثله فمن الوجه الذي لزمنا القول بمخالفة الإجماع هو أيضا لازم لهم .
ولأجل ذلك فر الجبائي إلى مذهب خرق به حجاب العقل وارتكب فيه جحد الضرورات والتزم به القول بالمحالات فقال إن الله تعالى يخلق كلامه عند قراءة