غني عن العباد بل لتزكيتهم ورفعهم من الحضيض الأسفل فإن التكليف كله إرشاد وهدى وتعريف للعباد ما ينفعهم في المعاش والمعاد فأمرهم سبحانه على السنة رسله بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم وبين لهم النافع ليرتكبوه والضار ليجتنبوه وأعطى كل مكلف القدرة والإرادة وسلامة الآلات فيما كلف به فهو تعالى محسن الى عباده المكلفين عموما لأمره لهم بما ينفع ونهيهم عما يضر مع الإرشاد والبيان وخلق القدرة فيهم ومحسن باعانته على الطاعة لمن شاء منهم خصوصا ولو قدر أن عالما صالحا أمر الناس بما ينفعهم ثم أعان بعض الناس على فعل ما أمرهم به ولم يعن آخرين لكان محسنا إلى هؤلاء إحسانا تاما ولم يكن ظالما لمن لم يحسن إليه كالطبيب إذا أمر المريض بشرب الدواء لم يكن عليه أن يعاونه والمفتي إذا أمر المستفتي بما يجب عليه لم يكن عليه أن يعاونه وإن كان قادرا على معاونته ولو قدر أنه عاقب المذنبين المخالفين العقوبة التي يقتضيها عدله وحكمته لكان أيضا محمودا على ذلك ولم يكن ظلما وليس لهم أن يقولوا أنت لم تعنا مع كونهم قادرين فإذ أمر سبحانه مثل فرعون وأبي لهب بالإيمان كان قد بين لهم ما ينفعهم ويصلحهم إذا فعلوه ولا يلزم إذا أمرهم أن يعينهم بل قد يكون في إعانتهم وجه مفسدة فإنه تعالى يخلق ما يخلق لحكمة وإن كنا لا نعلمها وإن لم تعلل أفعاله بالحكمة فإنه سبحانه يفعل ما يشاء وعلى كل تقدير فهو سبحانه ليس بظالم خلافا لما قد يتوهمه من قصر فهمه وأنثنى عن أبواب السعادة عزمه وقد اختلفوا في تفسير الظلم فقال قوم من أهل المشيئة والتفويض إنما يكون الظلم ممن تصرف فيما لا يملك والله تعالى مالك كل شئ ويروى عن إياس بن معاويه C قال ما خاصمت بعقلي كله إلا القدرية قلت لهم أخبروني ما الظلم قالوا أن يتصرف الإنسان فيما ليس له قلت فلله كل شئ