يكرهون سماع الحق كراهة شديدة لا تستطيع أنفسهم معها سماعه لبغضهم ذلك ونفرتهم منه لا لعجزهم عنه كما أن الحاسد لا يستطيع الإحسان الى المحسود لبغضه له لا للعجز عنه وعدم هذه الاستطاعة لا تمنع الأمر والنهي فإن الله يأمر الإنسان بما يكرهه كالقتال وينهاه عما يحبه كهوى النفس وليس من شرط المأمور به أن يكون العبد مريدا له ولا من شرط المنهي عنه أن يكون العبد كارها له فإن الفعل يتوقف على القدرة والإرادة والمشروط في التكليف أن يكون العبد قادرا على الفعل لا أن يكون مريدا له لكنه لا يوجد إلا إذا كان مريدا له فالارادة شرط في وجوده لا في وجوبه إذا علمت هذا علمت أن الله تعالى لم يكلف العباد ما لا يطيقون لقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وإنما كلفهم بما في وسعهم وطاقتهم فإن العبد له قدرة وإرادة وفعل حقيقة يقدر به على فعل ما كلف به وعلى تركه كما تقدم وإن كان الله تعالى هو الخالق ذلك كله كما هو خالق كل شئ فإن خلقه القدرة في العبد مع سلامة الآلات مع الإرشاد والبيان لما هو النافع والضار ببعث الرسل المزيحة للعامل محض فضل منه تعالى وقد اختلف العلماء في حكمة تكليف المكلفين وعقاب العاصين وأنقسموا في ذلك قسمين أهل الحكمة والتعليل وأهل المشيئة والتفويض فقال أهل المشيئة لا حكمة في تكليف المكلفين وعقاب العاصين إلا محض المشيئة الإلهية فهو سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
وقال أهل التعليل إن من أسمائه تعالى الحكيم فهو لا يفعل شيئا إلا لحكمة ولا يتركه إلا لانتفاء الحكمة فيه وإن كنا نحن لا نعلم وجه الحكمة وقالوا تكليف الله العباد ليس لاحتياجه الى ذلك فإنه سبحانه