المختار يرجح مقدوريه على الآخر بلا مرجح وهذا فاسد فإن مع استواء الاسباب في كل وجه يمتنع الرجحان وأيضا فقول القائل يرجح بلا مرجح إن كان لقوله يرجح معنى زائد على وجود الفعل فذاك هو السبب المرجح وإن لم يكن له معنى زائد كان حال الفاعل قبل وجود الفعل كحاله عند الفعل ثم الفعل حصل في إحدى الحالين دون الأخرى بلا مرجح وهذا مكابرة للعقل فلما كان أصل قول القدرية إن فاعل الطاعات وتاركها كلاهما في الإعانة والإقدار سواء إمتنع على أصلهم أن يكون مع الفعل قدرة تخصه لأن القدرة التي تخص الفعل لا تكون للتارك وإنما تكون للفاعل والقدرة لا تكون إلا من الله وما كان من الله لم يكن مختصا بحال وجود الفعل ثم لما رأو أن القدرة لابد أن تكون قبل الفعل قالوا لا تكون مع الفعل فإن القدرة هي التي يكون بها الفعل والترك وحال وجود الفعل يمتنع الترك كما تقدم .
قال ابن تيمية وهذا باطل قطعا فإن وجود الأثر مع عدم بعض شروطه الوجودية يمتنع بل لابد أن يكون جميع ما يتوقف عليه الفعل من الأمور الوجودية موجودا عند الفعل فنقيض قولهم هو الحق وهو أن الفعل لابد أن يكون معه قدرة لكن صار أهل إثبات القدرة للعبد هنا فريقين فريقا قالوا لا تكون القدرة إلا مع الفعل ظنا منهم أن القدرة نوع واحد وظنا من بعضهم أن القدرة عرض لا تبقى زمانين فيمتنع وجودها قبل الفعل .
والصواب الذي عليه أئمة الفقه والسنة أن القدرة نوعان نوع مع الفعل مقارن له ونوع مصحح للفعل يمكن معه الفعل والترك وهذه هي التي يتعلق بها الأمر والنهي وتحصل للمطيع والعاصي وتكون قبل الفعل وتبقى إلى حين الفعل إما بنفسها عند من يقول ببقاء الأعراض وإما بتجدد أمثالها عند من يقول الأعراض لا تبقى وهذه قد تصلح للضدين وأمر الله لعباده مشروط بهذه الطاقة فلا يكلف الله من ليست