فلله الحجة البالغة بإرسال الرسل وإنزال الكتب فلا حجة عليه لأحد بعد ذلك ثم أثبت تعالى القدر بقوله بعد ذلك فلو شاء لهداكم أجمعين فأثبت سبحانه الحجة الشرعية وبين المشيئة القدرية وكلاهما حق .
وقال تعالى في سورة النحل وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين فبين سبحانه أن هذا الكلام تكذيب للرسل فيما جاءوا به وليس هو بحجة بل معاندة ومكابرة وتعريج عن الحق فالقدرية ونحوهم ممن لم يقل إن الله تعالى خالق لأفعال العباد وإن أشبهوا المجوس وإنهم مجوس هذه الأمة لكن هؤلاء المحتجون بالقدر أنجس منهم لأنهم أشبهوا المشركين المكذبين للرسل الذين قالوا لو شاء الله ما أشركنا وأيضا فقد قال ابن تيمية إنه كان في أواخر عصر الصحابة جماعة من هؤلاء القدرية وأما المحتجون بالقدر فلا يعرف لهم طائفة من طوائف المسلمين معروفة وإنما كثروا في المتأخرين وسموا هذا حقيقة وجعلوا الحقيقة تعارض الشريعة ولم يميزوا بين الحقيقة الشرعية التي تتضمن تحقيق أحوال القلوب كالإخلاص والصبر وبين الحقيقة الكونية القدرية التي تؤمن بها ولا تحتج بها على المعاصي وفيهم من يقول إن العارف لو أفنى في شهود توحيد الربوبية لم يستحسن حسنه ولم يستقبح سيئة ويقول بعضهم من شهد الإرادة سقط عنه الأمر والنهي ويقول بعضهم إن الخضر عليه السلام إنما سقط عنه التكليف لأنه شهد الإرادة إلى غير ذلك من كلامهم القبيح وبالجملة فالباري سبحانه قد