أرسل الرسل قاطبة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها والمحتجون بالقدر على فعل المعاصي إنعكس الأمر في حقهم فصاروا يتبعون المفاسد ويعطلون المصالح فهم شر الناس ولا بد لهم مع ذلك من أمور يجتلبونها وأمور يجتنبونها وأن يتدافعوا جميعا إلى ما يضرهم من الظلم فلو ظلم بعضهم بعضا في دمه وماله وعرضه وطلب المظلوم عقوبة الظالم لم يقبل أحد من ذوي العقول احتجاجه بالقدر ولو قال أعذروني فإن هذا مقدر علي لقالوا له أنت لو فعل بك هذا ماحتج عليك ظالمك بالقدر لم يقبل منه لأنه لا يمكن صلاح الخلق ولا بقاؤهم في الدنيا إذا مكنوا كل أحد أن يفعل ما يشاء من مفاسدهم ويحتج بالقدر لأن قبول هذه الحجة من المفسد يوجب الفساد الذي لا صلاح معه وإذا كان الاحتجاج بالقدر مردودا في فطر جميع الناس وعقولهم فلا يحتج به إلا متبع لهواه فاسق وإن استحل ذلك فهو زنديق ملحد مارق نسأل الله تعالى العافية والسلامة في الدين آمين .
قلت ومن هنا يعلم جواب ما كنت أوردته في كتابي البرهان في تفسير القرآن من أنه مشكل علينا الجواب لإبليس لو قال إن خالق الأشياء خلقني كما شاء وأوجدني لما شاء واستعملني فيما شاء وقدر علي فيما شاء فلم أطق أن أشاء إلا ما شاء فما تجاوزت ما شاء ولا فعلت غير ما شاء ولو شاء لردني إلى ما شاء وهداني لما شاء أن أكون كما شاء ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا يا هذا سبق لي قبل كون الأكوان وكان من الكافرين فما برحت في الأزل كافرا ولم أزل فإذا كانت كاف كفري سبقت كوني فمن يكون على القضاء عوني ومن يطيق من القدر صوني وما حيلة من ناصيته في قبضة من قهر وقلبه بيد القدر وأمره راجع إلى القدم وقد قضي الأمر وجف القلم