مع ما قدر لنوعها وإنما الإنسان نوع من تلك الأنواع التى غرز فى طبعها أن تعيش مجتمعة وإن تعددت فيها الجماعات على أن يكون لكل واحد من الجماعة عمل يعود على المجموع فى بقائه وللمجموع من العمل مالا غنى للواحد عنه فى نمائه وبقائه وأودع فى كل شخص من أشخاصها شعور ما بحاجته إلى سائر أفراد الجماعة التى يشملها إسم واحد وتاريخ وجود الإنسان شاهد بذلك فلا حاجة إلى الإطالة في بيانه وكفاك من الدليل على أن الأنسان لا يعيش إلا فى جملة ما وهبه من قوة النطق فلم يخلق لسانه مستعدا لتصوير المعانى فى الألفاظ وتأليف العبارات إلا لاشتداد الحاجة به إلى التفاهم وليس الاضطرار إلى التفاهم بين اثنين أو أكثر إلا الشهادة بأن لا غنى لأحدهم عن الآخر .
حاجة كل فرد من الجماعة إلى سائرها مما لا يشتبه فيه وكلما كثرت مطالب الشخص فى معيشته ازدادت به الحاجة إلى الأيدى العاملة فتمتد الحاجة وعلى أثرها الصلة من الأهل إلى العشيرة ثم إلى الأمة وإلى النوع بأسره وأيامنا هذه شاهدة على أن الصلة النابعة للحاجة قد تعم النوع كمالا يخفى هذه الحاجة خصوصا فى الأمة التى حققت عنوانها لها صلات وعلائق ميزتها عمن سواها حاجة فى البقاء حاجة فى التمتع بمزايا الحياة حاجة فى جلب الرغائب ودفع المكاره من كل نوع .
لو جرى أمر الإنسان على أساليب الخلقة فى غيره لكانت هذه الحاجة من أفضل عوامل المحبة بين أفراده عامل يشعر كل نفس أن بقاءها مرتبط ببقاء الكل فالكل منها بمنزلة بعض قواها المسخرة لمنافعها ودرء مضارها والمحبة عماد السلم ورسول السكينة إلى القلوب هى الدافع لكل من المتاحبين على العمل لمصلحة الآخر الناهض بكل منهما للمدافعة عنه فى حالة الخطر فكان من شأن المحبة أن تكون حفاظا لنظام الأمم وروحا لبقائها وكان من حالها أن تكون ملازمة للحاجة على مقتضى سنة الكون فان المحبة حاجة لنفسك إلى من تحب أو ما تحب فان اشتدت كانت ولعا وعشقا