لكن كان من قوانين المحبة أن تنشأ وتدوم بين متاحبين إذا كانت الحاجة إلى ذات المحبوب أو ما هو فيها لا يفارقها ولا يكون هذا النوع منها فى الإنسان إلا إذا كان منشؤه أمرا فى روح المحبوب وشمائله التى لا تفارق ذاته حتى تكون لذة الوصول فى نفس الاتصال لا فى عارض يتبعه فإذا عرض التبادل والتعارض ولو حظ فى العلاقة بينهما تحولت المحبة إلى رغبة فى الانتفاع بالعوض وتعلقت بالمنتفع به لا بمصدر الانتفاع وقام بين الشخصين مقام المحبة إما سلطان القوة أو ذلة المخافة أو الدهان والخديعة من الجانبين .
يحب الكلب سيده ويخلص له ويدافع عنه دفاع المستميت لما يرى أنه مصدر الإحسان إليه فى سداد عوزه فصورة شبعه وربه وحمايته مقرونة فى شعوره بصورة من يكفلها له فهو يتوقع فقدها بفقده فيحرص عليه حرصه على حياته ولو أنه انتقل من حوزته إلى حوزة آخر وغاب عنه السنين ثم رآه معرضا لخطر ما عادت إليه تلك الصورة يصل بعضها بعضا واندفع إلى خلاصة بما تمكنه القوة .
ذلك لأن الإلهام الذى هدى به شعور الكلب ليس مما تتسع به المذاهب فوجدانه يتردد بين الإحسان ومصدره وليس له وراءهما مذهب فحاجته فى سد عوزه هى حاجته إلى القائم بأمره فيحبه محبته لنفسه ولا يبخس منها شوب التعارض فى الخدمة .
أما الإنسان وما أدراك ما هو فليس أمره على ذلك ليس ممن يلهم ولا يتعلم ولا ممن يشعر ولا يتفكر بل كان كماله النوعى فى إطلاق مداركه عن القيد ومطالبه عن النهايات وتسليمه على صغره إلى العالم الأكبر على جلالته وعظمه بتصارعه بعوامله وهى غير محصورة حتى يعتصر منه منافعه وهى غير محدودة وإيداعه من قوى الإدراك والعمل ما يعينه على المغالبة ويمكنه من المطالبة بسعيه ورأيه ويتبع ذلك أن يكون له فى كل كائن مما يصل إليه لذة وبجوار كل لذة ألم ومخافة فلا تنتهى رغائبه إلى غاية ولا تقف مخاوفه عند نهاية إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا تفاوتت