وأطلق له العنان يجول فى ضمائرها بما يسمعه الإمكان ولم يشرط عليه فى ذلك سوى المحافظة على عقد الإيمان فما بالهم قنعوا باليسير وكثير منهم أغلق على نفسه باب العلم ظنا منه أنه قد يرضى الله بالجهل وإغفال النظر فيما أبدع من محكم الصنع ما بالهم وقد كانوا رسل المحبة أصبحوا اليوم وهم يتنسمونها لا يجدونها ما بالهم بعد أن كانوا قدوة في الجد والعمل أصبحوا مثلا فى القعود والكسل ما هذا الذى ألحق المسملون بدينهم وكتاب الله بينهم يقيم ميزان القسط بين ما ابتدعوه وبين ما دعاهم إليه فتركوه إذا كان الإسلام فى قربه من العقول والقلوب على ما بينت فما باله اليوم على رأى القوم تقصر دون الوصول إليه يد المتناول إذا كان الإسلام يدعوا إلى البصيرة فيه فما بال قراء القرآن لا يقرءونه إلا تغنيا ورجال العلم بالدين لا يعرفه أغلبهم إلا تظنيا .
إذا كان الإسلام منح العقل والإرادة شرف الاستقلال فما بالهم شدوهما إلى أغلال أي أغلال إذا كان قد أقام قواعد العدل فما بال أغلب حكامهم يضرب بهم المثل فى الظلم إذا كان الدين فى تشوف إلى حرية الأرقاء فما بالهم قضوا قرونا فى استعباد الأحرار إذا كان الإسلام يعد من أركانه حفظ العهود والصدق والوفاء فما بالهم قد فاض بينهم الغدر والكذب والزور والافتراء إذا كان الإسلام يحظر الغيلة ويحرم الخديعة ويوعد على الغش بأن الغاش ليس من أهله فما بالهم يحتالون حتى على الله وشرعه وأوليائه إذا كان قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن فما هذا الذي نراه بينهم في السر والعلن والنفس والبدن إذا كان قد صرح بأن الدين النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين خاصتهم وعامتهم وإن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصو بالصبر وأنهم إن لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر سلط عليهم شرارهم فيدعو خيارهم فلا يستجاب لهم وشدد فى ذلك بما لم يشدد فى غيره فما بالهم لا يتناصحون ولا يتواصون بحق ولا يعتصمون بصبر ولا يتناصحون فى خير ولا شر بل ترك كل صاحبه وألقى حبله على غاربه فعاشوا أفذاذا وصاروا فى أعمالهم أفرادا لا يحس أحدهم بما يكون من عمل أخيه كأنه ليس منه وكأن لم تجمعه معه صلة ولم تضمه