[ 18 ] ونفي الرؤية بالابصار والادارك بسائر الحواس، لانه لو صحت رؤيته آجلا لوجبت عاجلا، لان الرؤية إذا صحت وجبت، وإذا لم تجب استحالت وفي إستحالتها الآن وجوب إستحالتها هناك، ولانه ليس بمقابل ولا حال فيه ولا في حكمه، فلا يعقل كونه مرئيا ولا محسوسا، وقد تمدح بنفي الرؤية عنه تمدحا عاما، فإثباتها نقص لتمدحه، لاطراد ذلك في كلما تمدح بنفسه، كالسنة والنوم وغيرهما. ونفي الاتحاد، لانه إن أريد به الحلول، فهو من خصائص الاعراض، أو المجاورة، فهو من لوازم الاجسام، وكلاهما مستحيل عليه، وإن أريد به غيرهما لم يكن معقولا. ونفي الاختصاص بالجهات والحلول في المحال بمثل ما ذكرناه. ومنه ما لفظه ثبوتي ومعناه سلبي، وهو كونه غنيا، لانه حي يستحيل عليه (1) الحاجة التي لا وجه لثبوتها إلا اجتلاب المنافع ودفع المضار المترتبين على ثبوت الملاذ والآلام المصححة للشهوة والنفار المختصين بالاجسام. فلما استحال ذلك عليه مع كونه حيا، استحال كونه محتاجا، وثبت أنه غني. وكونه واحدا لا ثاني له في القدم، لانه لو كان له ثان، لجاز وجود أحدهما مع عدم الآخر، أما في الزمان أو المكان أو المحال، لثبت لهما ما به تتميز الذاتان من الذات الواحدة، وتأتي ذلك في القديم غير معقول، ولانه لا طريق إلى إثبات الثاني من نفس الفعل ولا من واسطته (2)، وإثبات ما لا طريق إلى إثباته جهالة، ولان إثباته مكاف لاثبات ما زاد عليه، وفيه ارتفاع الفرق وأمكانه بين الحق والباطل، وهو محال، فإذا انتفى عنه الثاني - شريكا كان أو نظيرا - ثبتت وحدانيته، والسمع كاف في الدلالة على ذلك. ________________________________________ 1 - في " ج ": مستحيل عليه. 2 - في " أ ": من واسط. ________________________________________