[ 19 ] أما الكلام في ركن العدل فإنه يترتب على أصلين: أحدهما إثبات التحسين والتقبيح العقليين، لانه قد ثبت عموم العلم بمحسنات ومقبحات، لا يقف العلم بحسنها وقبحها على ما وراء كمال العقل، ولا يمكن الخروج عنه معه، فلولا أنه من جملة علومه، لم يكن لجميع (1) ذلك وجه، ولا تأثير لامر ولا نهي، في حسن مأمور ولا قبح منهي، لانهما لو أثرا لتوقف العلم بحسن ما حسنته العقول، وقبح ما قبحته على ورودهما فيستحيل الجميع (2)، لما فيه من الدور، وكان لا يقبح منه تعالى تصديق الكذابين، الذي لو جاز عليه لم يبق طريق إلى العلم بصدق الانبياء - عليهم السلام - ولا بصحة الشرائع، وما بصحة مدلوله فساد دليله إلا غير خاف الفساد (3). وثانيهما: إثبات إقداره تعالى على ماله صفة القبيح (4)، لان استناد كونه قادرا إلى ما هو عليه في ذاته، يقتضي عموم تعلق قادريته بكل مقدور على الوجه الذي لا يتناهى. ومن جملة المقدورات القبيح، فيجب كونه قادرا عليه، ولان القبيح مقدور لنا، لصحة وقوعه منا، وهو آكد حالا منا في كون قادرا، فلا وجه لكونه غير قادر عليه، كما لا وجه لاختصاص قادريته بمقدور دون غيره. وحينئذ يجب كونه متنزها عن فعل القبيح، لانه عالم لا يجهل، وغني لا يحتاج، فهو عالم بقبحه، واستغنائه ________________________________________ 1 - في " أ ": بجميع. 2 - في " أ ": فيستحيل الجمع. 3 - هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن لفظة " إلا " زائدة. 4 - في " أ ": صفة القبح. وكذا فيما يأتي. ________________________________________