[ 97 ] النظر تحرزا من الضرر كسائر الافعال التي تجري هذا المجرى. ولا فرق بين أن تكون المضرة معلومة أو مظنونة في وجوب التحرز منها، لان جميع المضار في الشاهد مظنونة ومع هذا يجب التحرز منها. ولا يبلغ الخوف من ترك النظر إلى حد الالجاء المسقط للوجوب، لان المضرة انما تلجئ إذا كانت عاجلة كبيرة والمضرة المخوفة بترك النظر دينية آجلة فلا تكون ملجئة، فعلى هذا المحرك على النظر والمخوف من تركه بينه على جهة الخوف وأمارته على ما سنذكره، فإذا خاف العقاب بتركه وامل زواله بالنظر وجب النظر وان كثر وشق، لان الذي يأمل زواله بالنظر أعظم وأغلظ. والعلم بوجوب النظر عند الخوف بالخاطر وغيره ضروري عام للعقلا، وكل عاقل يعلم ذلك من نفسه. ولا يلزم على ذلك ما تقوله المقلدة وأصحاب المعارف من أنا لا نخاف من ترك النظر على ما يدعونه، وذلك أن أول ما فيه انا لا نعرف من اصحاب المعارف من لا يجوز على مثل ادعاء ما يعلم من نفسه خلافه. فأما من ذهب إلى التقليد فانما ينكر المناظرة دون النظر، والمناظرة غير النظر، ومع هذا ربما التجؤا إلى المناظرة في كثير من الاحوال. على أنا نقول العلم بوجوب النظر للفصل في طريق المعرفة انما يحصل عند الخوف في ابتداء التكليف ويحصل لبعض العقلاء في حال لا يحصل فيها لجميعهم لاختلاف أحوالهم فلا يمتنع أن يدخل بعضهم على نفسه شبهة فيزول هذا الخوف. فلا يعلم وجوب النظر عليه، لان العلم بوجوب هذا النظر انما هو علم بوجوب ما له صفة مخصوصة يجوز أن يعترض شبهة فيها. وجرى ذلك مجرى ادخال الخوارج شبهة على نفوسهم في قتل مخالفهم الذي هو ظلم على الحقيقة حتى اعتقدوا حسنه لما جهلوا صفته المخصوصة. ________________________________________