[ 98 ] وقيل أيضا: ان الخوف إذا كان مغمورا ببعض الامور فلا يجده الانسان من نفسه، كما ان من أشرف على الموت وعليه حقوق ومظالم لابد أن يخاف من ترك الوصية واهمالها، ومع هذا ربما ذهب عنها لبعض ما يغمره من الامراض. فإذا ثبت ذلك فأول فعل يجب على المكلف مما لا يخلو مع كمال عقله منه النظر في طريق معرفة الله، فقلنا " اول " لئلا يلزم ما يتقدمه أو يقارنه: وقلنا " فعل " تحرزا من الامتناع من القبائح، لان ذلك ليس بفعل. ولا يحتاج أن يقال " مقصودا " تحرزا من ارادة النظر، لان العاقل عند الخوف ملجأ إلى فعل الارادة كما هو ملجأ إلى الخوف عند التنبيه على الامارة وذلك خارج عن التكليف. وقلنا " مما لا يخلو مع كمال عقله " لان جميع الواجبات العقلية التي هي وجوب رد الوديعة والانصاف وقضاء الدين وشكر النعمة قد يخلو العاقل من جميع ذلك وان لم يخل من وجوب النظر. وأما الواجبات الشرعية فانها فرع على معرفة الله تعالى ومعرفة رسوله، فهي متأخرة لا محالة. والخوف الذي يقف وجوب النظر عليه يحصل بأشياء: (أحدها) ان ينشأ بين العقلاء ويسمع اختلافهم وتخويف بعضهم لبعض فلا بد أن يخاف من ترك النظر في أقوالهم إذا ترك حب الشوق التقليد وأنصف من نفسه وعمل بموجب عقله، أو يتنبه على ذلك من قبل نفسه إذا رأى امارات لائحة وجهات الخوف معترضة فلا بد أن يخاف. وهذا يجوز أن يكون حكم الذي خلقه الله وحده، فان لم يتفق ذلك أخطر الله تعالى ما يتضمن جهة الخوف وامارته والتنبيه عليها اما بكلام يسمعه داخل أذنه أو يفعله في الهواء أو يبعث إليه من يخوفه، وكل ذلك جائز. فإذا حصل الخوف وجب النظر. ________________________________________