[ 87 ] لا يمكنه دفعه الا بادخال بعض الالام عليه، والقديم تعالى يقدر على دفع كل ضرر من غير أن يدخل عليه الما، فلم يحسن لذلك. والصحيح أن القديم تعالى لا يفعل ألما لا في المكلفين ولا في غيرهم في دار التكليف الا إذا كان فيه غرض يخرجه من كونه ظلما أو عوض يخرجه من كونه عبثا، ولا يجوز أن يفعل الالم لمجرد العوض، لان مثل العوض يحسن الابتداء به ولا يجوز أن يفعله لاجل العوض. ويفارق ذلك الثواب، لان الثواب يستحق على وجه من التعظيم والاجلال ولا يحسن الابتداء بمثله، وليس كذلك العوض لانه مجرد المنافع. ولذلك لا يحسن منا أن نستأجر غيرنا لينقل الماء من نهر إلى نهر ولا عوض لنا فيه غير ايصال الاجرة إليه، وكذلك لا يحسن أن يوافقه على أن يضربه [ ويعطيه عوضا من ضربه ] 1) لا لغرض غير ايصال العوض إليه، ومعلوم ضرورة قبح ذلك. وليس لاحد أن يقول: الاستحقاق له مزية على التفضل في الشاهد فجاز أن يفعل لذلك الالم، لان الاستحقاق انما يكون له مزية في الشاهد لما يلحق المتفضل عليه من الانفة وان تميز المتفضل عليه بذلك أو يلحقه بعض الغضاضة، ولذلك يختلف باختلاف أحوال المتفضل من جلاله وعظم قدره، وكل ذلك مفقود مع الله تعالى، فلا مزية للاستحقاق على التفضل من جهته. فأما من قال الالم لا يحسن الا للاستحقاق من البكرية والتناسخية، حتى قالت البكرية ان الاطفال والبهائم لا تألم أصلا لما رأت انها غير مكلفة، وقالت التناسخية انه قد كان لهم فيما مضى زمان تكليف، فما ينالهم من الالام في هذا الوقت فباستحقاقهم لما عصوا في ذلك الوقت. والذي يدل على فساد قول الفريقين ما قدمناه من أنه يحسن الالام للمنافع الموفية عليها ولدفع ضرر أعظم منها، ________________________________________ 1) الزيادة من ر. ________________________________________