[ 85 ] واما الذي يدل على ان الالم يحسن الاستحقاق فهو ما نعلمه ضرورة من حسن ذم المسئ على اساءته وان غمه ذلك وآلمه واستضر به، والعلم بحسن ذلك مع تعريه من نفع أو دفع ضرر يوجب أنه حسن للاستحقاق لا غير. وقد قيل في ذلك أيضا أنه يحسن المطالبة بتقضي الدين وان أضر ذلك بمن عليه الدين وغمه، وانما حسن ذلك للاستحقاق. ولقائل ان يجعل وجه ذلك ما يقدمه من الانتفاع بالدين، فجرى ذلك مجرى تقدم الاجرة على الاعمال الشاقة. وأيضا فلو كان حسن الاستحقاق لما حسن أن يبتدئ الانسان بايصاله إلى نفسه، كما لا يحسن أن يعاقب نفسه. وأيضا فانه خال من استحقاق واهانة، وذلك واجب في العقاب. وانما قلنا انه متى وقع على وجه المدافعة كان حسنا، لانه معلوم أن من دافع غيره عن نفسه فوقع به من جهته ضرر لم يقصده بل قصد المدافعة فقط لا يستحق به عوضها على المؤلم ولا يكون بذلك ظالما. ولا يمكن أن يقال: ان ذلك مستحق، لان من قصد ايلام غيره ولم يؤلمه لا يستحق العقاب عليه. وأيضا فلو كان مستحقا لقارنه استحقاق واهانة وجاز أن يقصده، وكل ذلك يدل على أنه لم يكن مستحقا. ولا يمكن أن يقال: وجه حسنه ما فيه من العوض، لانه تعالى لما حسن ذلك في عقولنا ضمن العوض كما ضمن لما أباح لنا ذبح البهائم بالشرع، لانه لو كان الامر على ما قالوه لوجب أن يكون من لا يعرف أن الله ضمن العوض لا يعرف حسن المدافعة، كما أن من لا يعرف الشرع لم يعرف حسن ذبح البهائم. والمعلوم خلافة. ________________________________________