[ 74 ] ولا يلزم على ذلك بعثة نبي يعلم انه لا يؤدي ما حمله، لان بعثة نبي لا يؤدي الينا مالنا فيه مصلحة يمنع من ازاحة علتنا في التكليف ويوجب منع اللطف والتمكين، فلهذا لم يجز، لا لانه تكليف من علم الله أنه يكفر. ولسنا ننكر أيضا أن يعرض في تكليف من علم الله أنه [ يكفر وجه قبح يقبح تكليفه، بل لا ينكر ذلك في تكليف من علم الله أنه ] 1) يؤمن، لانه لو عرض فيه وجه المفسدة لقبح تكليفه وان آمن. فإذا ثبت حسن التكليف بمن علم أنه يؤمن ومن علم أنه يكفر وجب أن يكون منقطعا، لان الغرض بالتكليف إذا كان هو الثواب فلو لم يكن التكليف منقطعا لانتقض الغرض بالتكليف، لان الثواب بالتكليف لا يمكن أن يكون مقترفا، لان من شأنه أن يكون خالصا صافيا من الشوب والتكدير حتى يحسن الزام المشاق. وذلك لا يصح مع التكليف، لان التكليف لا يعرى من مشقة، وذلك يؤدي إلى حصول الثواب على خلاف الوجه المستحق ويصرف به الغموم والمضار. وأيضا لو اقترن الثواب بالتكليف لادى إلى أن يكون المكلف ملجأ، لان المنافع العظيمة تلجئ إلى فعل ما ضمنت عليه، ولذلك قلنا لابد أن يكون بين زمان التكليف وبين حال الثواب زمان متراخ يخرج المكلف من حد الالجاء. وانما كانت المنافع العظيمة العاجلة ملجئة لانه يقتضي أن يفعل الطاعة لاجلها دون الوجوه التي يستحق عليها الثواب، وذلك يخرجها من أن يستحق لها الثواب أصلا، وذلك ينقض الغرض. وأما القدر الذي يكون بين زمان التكليف وبين الثواب فليس بمحصور عقلا بل بحسب ما يعلمه الله تعالى، وانما يعلم على طريق الجملة انه لا بد من تراخ ومهلة. ________________________________________ 1) الزيادة ليست في ر. ________________________________________