[ 73 ] لمنافع لا تنال الا بفعل ما كلفه وحثه على ذلك. ويدل على حسن ذلك أيضا أنه قد ثبت حسن تكليف من علم الله أنه يؤمن، وقد فعل الله تعالى بالكافر جميع ما فعله بالمؤمن من اقداره وخلق الشهوة فيه والنفار ونصب الادلة وخلق العلم والتمكين وغير ذلك من الشرائط التي تقدم ذكرها، فينبغي أن يكون تكليفهما جميعا حسنا أو قبيحا. فإذا حكمنا بحسن تكليف من علم الله انه يؤمن وجب مثل ذلك في تكليف من علم أنه يكفر، وأما من منع من حسن التكليف اصلا فلا تكلم في هذه المسألة بل تكلم بما تقدم من الكلام في حسن التكليف. والفرق بين التكليفين لا يرجع إلى اختيار الله بل إلى اختيار المؤمن للايمان فيحصل نفعه، واختيار الكافر الكفر فاستضربه، فأتى في ذلك من قبل نفسه. (دليل آخر) ويدل أيضا على حسن تكليف من علم الله أنه يكفر ويموت على كفره أنه لو لم يحسن ذلك لوجب أن يكون للمكلف طريق إلى العلم بقبح ذلك، ولو علم قبحه لوجب أن يكون قاطعا على أنه لا يخرج من دار الدنيا الا وهو يستحق الثواب، ولا يتم ذلك الا بأمرين: أحدهما أن يعلم أنه متى رام القبيح منع منه وذلك الجاؤنا في التكليف، أو يعلم أنه سيتوب في المستقبل وذلك ويؤدي إلى الاغراء وكلاهما فاسدان، فإذا يجب ان يكون ممن يجوز الخروج من الدنيا وهو مستحق للعقاب وهو ما أردناه. ومتى ادعي في ذلك وجه قبح فالكلام عليه قد استوفيناه في شرح الجمل يرجع إليه انشاء الله. ومما يدل على حسن تكليف من علم الله أنه يكفر أنه ثبت انه تعالى كلف من هذه صورته، لانا نعلم أن كثيرا من العقلاء المكلفين يموتون على كفرهم، ولو لم يكن الا ما علمناه من حال فرعون وهامان وابي جهل وأبي لهب وغيرهم لكفى، ولو كان ذلك قبيحا لما فعله الله تعالى، لانا قد دللنا على أنه تعالى لا يفعل القبيح على حال. ________________________________________