[ 32 ] قادرا الا بقدرة، والقدرة لا يصح بها فعل الاجسام. وانما قلنا " ان المحدث لا يصح أن يكون قادرا لنفسه " لانه لو جاز أن يكون الجسم قادرا لنفسه لوجب أن تكون الاجسام كلها قادرة لنفسها لانها متماثلة، والمعلوم خلاف ذلك. وانما قلنا " ان القدرة لا يقع بها فعل جسم " لانا لو اجتهدنا كل الجهد أن نوجد جسما أو جوهرا لتعذر ذلك، ولا وجه لتعذره الا أنه غير مقدور لنا وبذلك نفصل بين ما هو مقدور لنا وبين ما ليس بمقدور لنا. فبان بذلك أن من صح منه الجسم لا يكون الا قديما ولا يكون محدثا. وهو تعالى متكلم. والطريق الذي يعلم كونه متكلما السمع، لان العقل لا يدل عليه، وانما يدل على أنه قادر على الكلام، لانه جنس من الافعال وهو قادر على جميع الاجناس. وقد أجمع المتكلمون على أنه تعالى متكلم لا خلاف بينهم، واجماعهم حجة. ومعلوم أيضا من دين النبي عليه السلام أنه تعالى متكلم، وان هذا القرآن كلام الله تعالى. فان قيل: السمع مستند إلى قول النبي عليه السلام، والنبي بأي شئ يعلم أنه متكلم؟ فان قلتم بسمع آخر أدى إلى ما لا نهاية له من المستمعين، أو ينتهى إلى مسمع علم عقلا أنه متكلم، والا فما الجواب؟ قيل: لا يمتنع أن يعلم النبي كونه متكلما بكلام يسمعه يتضمن بأنه كلام الله، ويقترن بذلك علم معجز، فيقطع على ذلك أنه كلامه وأنه متكلم. ويمكن أيضا أن يخلق الله تعالى فيه العلم الضروري بأنه ليس بكلام أحد من المخلوقين وقد تقرر في عقله أن المحدث لا بد أن يكون له محدث، فيعلم عند ذلك أنه كلامه القديم، لانه لا واسطة بين القديم والمحدث، وإذا بطل انه كلام محدث ثبت أنه كلام قديم. ________________________________________