[10] ولعلّ الكثير من الأفراد الذين يدخلون المسلخ ويشاهدون الوضع فيه يتساءلون في أنفسهم عن رأي الشرع المقدّس في هذه الظاهرة، وموقف الفقهاء ومراجع الدّين منها، وهل هي من المسائل المستحدثة، أم كانت بهذا الشكل منذ عصر المعصومين وفقهاء السلف؟ في تلك الفترة كنت من طلاب العلوم الدينية، وحديث عهد ببحوث الفقه الاستدلالي، وكنت مقلّداً في عدد من المسائل، ومنها مسائل الحج، فكانت وظيفتي الذبح ثمّ طرح الأضحية في محلّها، أو أن أقوم بعملية صورية في أخذ النيابة من الفقير ثمّ القبول من جانبه وتركها في نفس المحلّ. ولكن بعد أن حصلت على قدرة أكثر في استنباط المسائل، استغرقت في الفكر وعزمت على ملاحظة أدلّة المسألة بالدقّة والتأملّ اللائقين، وعدم الاقتناع بمقولة الآخرين وممارساتهم العملية، خصوصاً بعد أن تعقّدت المسألة بانتقال جميع الأضحية من منى إلى خارجه مع أنّ من شروط صحة الأضحية عند فقهاء الشيعة كونها في منى، وعدم إجزاء ما يقع خارجها، ولذلك تفحّصت جميع روايات أبواب الذبح بدقّة وتدبّر، وتعمّقت في كلمات القوم وفتاوى الفقهاء الكرام واستدلالاتهم، وناقشت بعضهم، وسعيت لأن أجرّد ذهني من الخلفيات المعرفية حتّى أفتي في المسألة مع فراغ البال، وأستجلي الحقيقة من روافدها الشرعية وأدلّتها المعتبرة، ـ كما حصل للعلاّمة الحلّي(قدس سره) في حكمه بردم بئر داره، ثمّ الفحص عن أدلّة اعتصام ماء البئر، وفي النهاية أفتى بالإعتصام خلافاً لجميع من كانوا قبله ـ فانتبهت إلى أنّ مثل هذه الأضاحي ليست مجزية لوظيفة الحج، وعلى الحجّاج الإجتناب عنها والاحتياط بالإتيان بها في أيام ذي الحجّة في أوطانهم، أو مكان آخر. ولهذا عزمت على اظهار ما ثبت لي من الدليل على هذه الفتوى مع أداء التكريم والاحترام لجميع المراجع والفقهاء العظام في فتاواهم، كيما ينفتح بذلك للباحثين باب بحث أكثر وفحص أبلغ حول هذه المسألة المهمّة.