(25) والنصب في هذه الامثلة كلها إنما هو العطف على الموضع دون اللفظ، فيكون على هذا من قرأ الآية بنصب الارجل كمن قرأها بجرها، وهي في القراءتين جميعاً معطوفة على الرؤوس التي هي اقرب إليها في الذكر من الايدي، ويخرج ذلك عن طريق التعسف، ويجب المسح بهما جميعاً، والحمد لله. وشيء آخر: وهو أن حمل الارجل في النصب على أن تكون معطوفة على الرؤوس أولى من حملها على أن تكون معطوفة على الايدي؛ وذاك ان الآية قد قرئت بالجر والنصب معاً، والجر موجب للمسح، لانه عطف على الرؤوس، فمن جعل النصب إنما هو لعطف الارجل على الايدي أوجب الغسل، وأبطل حكم القراءة بالجر الموجب للمسح. ومن جعل النصب إنما هو لعطف الارجل على موضع الرؤوس أوجب المسح الذي اوجبه الجر، فكان مستعملاً للقراءتين جميعاً، غير مبطل لشيء منهما، ومن استعملهما فهو أسعد ممن استعمل أحدهما. فان قيل : ما أنكرتم أن يكون استعمال القراءتين إنما هو بغسل الرجلين، وهو أحوط في الدين، وذلك أن الغسل يأتي على المسح ويزيد عليه، فالمسح داخل فيه، فمن غسل فكأنما مسح وغسل، وليس كذلك من مسح؛ لان الغسل غير داخل في المسح. قلنا: هذا غير صحيح؛ لان الغسل والمسح فعلان كل واحد منهما غير الآخر وليس بداخل فيه، ولا قائم مقامه في معناه الذي يقتضيه. ويبين ذلك ان الماسح كأنه قيل له: اقتصر فيما تتناوله من الماء على ما يندى به العضو الممسوح، والغاسل كانما قيل له : لاتقتصر على هذا القدر، بل تناول من الماء ما يسيل ويجري على العضو المغسول. ____________ = الانصاف في مسائل الخلاف : 332، الكتاب 67:1، العقد الفريد 50:1، مغني اللبيب 621:2، شرح شواهد المغني 870:2، خزانة الادب 260:2.