@ 366 @ الشهادة ، لأن شهادة امرأة نصف شهادة ، فإذا شهدتا صار مجموع شهادتها كشهادة ذكر ، فقال الزمخشري : من بدع التفاسير . .
وقال ابن عطية : هذا تأويل بعيد غير صحيح ، ولا يحسن في مقابله الضلال إلاَّ الذكر . انتهى . .
وما قالاه صحيح ، وينبو عنه اللفظ من جهة اللغة ومن جهة المعنى ، أما من جهة اللغة فإن المحفوظ أن هذا الفعل لا يتعدى ، تقول : أذكرت المرأة فهي مذكر إذا ولدت الذكور ، وأما : أذكرت المرأة ، أي : صيرتها كالذكر ، فغير محفوظ . وأما من جهة المعنى ، فإن لو سلم أن : أذكر ، بمعنى صيرها ذكراً فلا يصح ، لأن التصيير ذَكَراً شامل للمرأتين ، إذ ترك شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر فليست إحداهما أذكرت الأخرى على هذا التأويل ، إذ لم تصير شهادتهما وحدها بمنزلة شهادة ذكر . .
ولما أبهم الفاعل في : أن تضل ، بقوله : إحداهما ، أبهم الفاعل في : فتذكر ، بقوله : إحداهما ، إذ كل من المرأتين يجوز عليها الضلال ، والإذكار ، فلم يرد : بإحداهما ، معيَّنة . والمعنى : إن ضلت هذه أذكرتها هذه ، وإن ضلت هذه أذكرتها هذه ، فدخل الكلام معنى العموم ، وكأنه قيل : من ضل منهما أذكرتها الأخرى ، ولو لم يذكر بعد : فتذكر ، الفاعل مظهراً للزم أن يكون أضمر المفعول ليكون عائداً على إحداهما الفاعل بتضل ، ويتعين أن يكون : الأخرى ، هو الفاعل ، فكان يكون التركيب : فتذكرها الأخرى . وأما على التركيب القرآني فالمتبادر إلى الذهن أن : إحداهما ، فاعل تذكر ، والأخرى هو المفعول ، ويراد به الضالة ، لأن كلاًّ من الإسمين مقصور ، فالسابق هو الفاعل ، ويجوز أن يكون : إحداهما ، مفعولاً ، والفاعل هو الأخرى لزوال اللبس ، إذ معلوم أن المذكرة ليست الناسية ، فجاز أن يتقدّم المفعول ويتأخر الفاعل ، فيكون نحو : كسر العصا موسى ، وعلى هذا الوجه يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر المفعول ، فيتعين إذ ذاك أن يكون الفاعل هو : الأخرى ، ومن قرأ : أن ، بفتح الهمزة و : فتذكر ، بالرفع على الاستئناف ، قيل : وقال : إن تضل إحداهما ، المعنى : أن النسيان غالب على طباع النساء لكثرة البرد والرطوبة ، واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من صدور النسيان عن المرأة الواحدة ، فأقيمت المرأتان مقام الرجل ، حتى إن إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى ، وفيه دلالة على تفضيل الرجل على المرأة . .
و : تذكر ، يتعدّى لمفعولين ، والثاني محذوف ، أي : فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة ، وفي قوله { فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاْخْرَى } دلالة على أن من شرط جواز إقامة الشهادة ذكر الشاهد لها ، وأنه لا يجوز الاقتصار فيها على الخط ، إذ الخط والكتابة مأمور ربه لتذكر الشهادة ، ويدل عليه قوله : { إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وإذا لم يذكرها فهو غير عالم بها . .
وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، والشافعي : إذا كتب خطه بالشهادة فلا يشهد حتى يذكرها ، وقال محمد بن أبي ليلى ، إذا عرف خطه وسعه أن يشهد عليها . وقال الثوري : إذا ذكر أنه شهد ، ولا يذكر عدد الدراهم ، فإنه لا يشهد . .
{ وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ } قال قتادة : سبب نزولها أن الرجل كان يطوف في الحراء العظيم ، فيه القوم ، فلا يتبعه منهم أحد ، فأنزلها الله . .
وظاهر الآية : أن المعنى : ولا يأب الشهداء من تحمل الشهادة إذا ما دعوا لها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والربيع وغيرهم . وهذا النهي ليس نهي تحريم ، فله أن يشهد ، وله أن لا يشهد . قاله عطاء ، والحسن وقال الشعبي : إن لم يوجد غيره تعين عليه أن يشهد ، وإن وجد فهو مخير ، وقيل : المعنى : ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا لأداء الشهادة إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك ، قاله مجاهد ، وعطاء ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، والسدي ، وإبراهيم ، ولاحق بن حميد ، وابن زيد . وروى النقاش : هكذا فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ولو صح هذا