@ 365 @ إن كان عندك من يخرج شهادتهم فأت به ، وإلاَّ أجزنا شهادتهم عليك . وقال الشافعي : يسأل عنه في السرّ ، فإذا عدل سأل عن تعديله في العلانية . .
وأما ما ذكر من اعتبار نفي التهمة عن الشاهد إذا كان عدلاً ، فاتفق فقهاء الأمصار على بطلان شهادة الشاهد لولده ووالده إلاَّ ما حكي عن البتي ، قال : تجوز شهادة الولد لوالديه ، والأب لابنه وامرأته ، وعن إياس بن معاوية أنه أجاز شهادة رجل لابنه . وذهب أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وزفر ، ومالك ، والأوزاعي ، والليث إلى أنه : لا يجوز شهادة أحد الزوجين للآخر . وعن أبي حنيفة : لا تجوز شهادة الأجير الخاص لمستأجره ، وتجوز شهادة الأجير المشترك له . وقال مالك : لا تجوز شهادة أجير لمن استأجره إلاَّ أن يكون مبرزاً في العدالة . وقال الأوزاعي : لا تجوز مطلقاً . وقال الثوري : تجوز إذا كان لا يجر إلى نفسه منفعة . .
ومن وردت شهادته لمعنى ، ثم زال ذلك المعنى ، فهل تقبل تلك المشهادة فيه ؟ .
قال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تقبل إذا ردّت لفسق أو زوجية ، وتقبل إذا ردّت لرق أو كفر أو صبي . وقال مالك : لا تقبل إن ردت لرق أو صبي . وروي عن عثمان بن عفان مثل هذا . .
وظاهر الآية : أن الشهود في الديون رجلان ، أو رجل وامرأتان ، ممن ترضون ، فلا يقضي بشاهد واحد ويمين ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وابن شبرمة ، والثوري والحكم ، والأوزاعي . وبه قال عطاء ، وقال : أول من قضى به عبد الملك ابن مروان ، وقال الحكم : أوّل من حكم به معاوية . .
واختلف عن الزهري ، فقيل ، قال : هذا شيءأحدثه الناس لا بدّ من شهيدين ، وقال أيضاً : ما أعرفه ، وإنها البدعة ، وأول من قضاه معاوية ، وروي عنه أنه أول ما ولي القضاء حكم بشاهد ويمين وقال مالك ، والشافعي وأتباعهما ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد : يحكم به في الأموال خاصة ، وعليه الخلفاء الأربعة وهو عمل أهل المدينة ، وهو قول أبيّ بن كعب ، ومعاوية ، وأبي سلمة ، وأبي الزياد ، وربيعة . .
{ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الاْخْرَى } قرأ الأعمش ، وحزة : إن تضل بكسر الهمزة ، جعلها حرف شرط فتذكر ، بالتشديد ورفع الراء وجعله جواب الشرط . .
وقرأ الباقون بفتح همزة : أن ، وهي الناصبة ، وفتح راء فتذكر عطفاً على : أن تضل وسكن الذال وخفف الكاف ابن كثير ، وأبو عمرو . وفتح الذال ، وشدّد الكاف الباقون من السبعة . .
وقرأ الجحدري وعيسى بن عمران : تضل ، بضم التاء وفتح الضاد مبنياً للمفعول ، بمعنى : تنسى ، كذا حكى عنهما الداني . وحكى النقاش عن الجحدري : أن تضل ، بضم التاء وكسر الضاد ، بمعنى أن تضل الشهادة ، تقول : أضللت الفرس والبعير إذا ذهبا فلم تجدهما . .
وقرأ حميد بن عبد الرحمن ، ومجاهد : فتذكر ، بتخفيف الكاف المكسورة ، ورفع الراء ، أي فهي : تذكر وقرأ زيد بن أسلم : فتذاكر ، من الذاكرة . .
والجملة الشرطية من قوله { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ } على قراءة الأعمش وحمزة قال ابن عطية : في موضع رفع بكونه صفة للمذكر ، وهما المرأتان . انتهى . كان قد قدم أن قوله { مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء } في موضع الصفة لقوله { فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } فصار نظير : جاءني رجل وامرأتان عقلاء حبليان ، وفي جواز مثل هذا التركيب نظر ، بل الذي تقتضيه الأقيسة تقديم حبليان على عقلاء ، وأما على قول من أعرب : ممن ترضون ، بدلاً من : رجالكم ، وعلى ما اخترناه من تعلقه بقوله : واستشهدوا ، فلا يجوز أن تكون جملة الشرط صفة لقوله : وامرأتان ، للفصل بين الموصوف والصفة بأجنبي ، وأما : أن تضل ، بفتح الهمزة ، فهو في موضع المفعول من أجله ، أي لأن تضل على تنزيل السبب ، وهو الإضلال منزلة المسبب عنه ، وهو الإذكار ، كما ينزل المسبب منزلة السبب لالتباسهما واتصالهما ، فهو كلام محمول على المعنى ، أي : لأن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت ، ونظيره : أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، وأعددت السلاح أن يطرق العدو فأدفعه ، ليس إعداد الخشبة لأجل الميل إنما إعدادها لإدعام الحائط إذا مال ، ولا يجوز أن يكون التقدير : مخالفة أن تضل ، لأجل عطف فتذكر عليه . .
وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان يحكي عن أبي العباس أن التقدير : كراهة أن تضل ، قال أبو جعفر : وهذا غلط ، إذ يصير المعنى كراهة أن تذكر . ومعنى الضلال هنا هو عدم الاهتداء للشهادة لنسيان أو غفلة ، ولذلك قوبل بقوله : فتذكر ، وهو من الذكر ، وأما ما روي عن أبي عمرو بن العلاء ، وسفيان بن عيينة من أن قراءة التخفيف ، فتذكر ، معناه : تصيرها ذكراً في