@ 338 @ أبو عمرو ، وقالون ، وأبو بكر : بكسر النون وإخفاء حركة العين ، وقد روي عنهم الإسكان ، والأول أقيس وأشهر ، ووجه الإخفاء طلب الخفة ، وأما الإسكان فاختاره أبو عبيد ، وقال : الإسكان ، فيما يروي ، لغة النبي صلى الله عليه وسلم ) في هذا اللفظ ، قال لعمرو ابن العاص : ( نعما المال الصالح للرجل الصالح ) . وانكر الإسكان أبو العباس ، وأبو إسحاق ، وأبو علي لأن فيه جمعاً بين ساكنين على غير حدّه . .
وقال أبو العباس لا يقدر أحد أن ينطق به ، وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرك ولا يأتيه . وقال أبو إسحاق : لم تضبط الرواة اللفظ في الحديث ، وقال أبو علي : لعل أبا عمرو أخفى ، فظنه السامع إسكاناً وقد أتى عن أكثر القراء ما أنكر ، فمن ذلك الإسكان في هذا الموضع ، وفي بعض تاءات البزي ، وفي : اسطاعوا وفي : يخصمون . إنتهى ما لخص من كلامهم . .
وإنكار هؤلاء فيه نظر ، لأن أئمة القراءة لم يقرؤوا إلاَّ بنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ومتى تطرق إليهم الغلط فيما نقلوه من مثل هذا ، تطرق إليهم فيما سواه ، والذي نختاره ونقوله : إن نقل القراءات السبع متواتر لا يمكن وقوع الغلط فيه . .
{ وَإِن تُخْفُوهَا } الضمير المنصوب في : تخفوها ، عائد على الصدقات ، لفظاً ومعنى ، بأي تفسير فسرت الصدقات ، وقيل : الصدقات المبداة هي الفريضة ، والمخفاة هي التطوّع ، فيكون الضمير قد عاد على الصدقات لفظاً لا معنى ، فيصير نظير : عندي درهم ونصفه ، أي : نصف درهم آخر ، كذلك : وان تخفوها ، تقديره : وان تخفوا الصدقات غير الأولى ، وهي صدقة التطوّع ، وهذا خلاف الظاهر ، والأكثر في لسان العرب ، وإنما احتجنا في : عندى درِهم ونصفه ، إلى أن نقول : إن الضمير عائد على الدرهم لفظاً لا معنى لأضطرار المعنى إلى ذلك ، لأن قائل ذلك لا يريد أن عنده درهماً ونصف هذا الدرهم الذي عنده . وكذل قول الشاعر : % ( كأن ثياب راكبه بريح % .
خريق وهي ساكنة الهبوب .
) % .
يريد : ريحاً أخرى ساكنة الهبوب . .
{ أَنتُمُ الْفُقَرَاء } فيه تنبيه على تطلب مصارفها وتحقق ذلك وهم الفقراء . .
{ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } الفاء جواب الشرط ، وهو ضمير عائد على المصدر المفهوم من قوله : { وَإِن تُخْفُوهَا } التقدير : فالإخفاء خير لكم ، ويحتمل أن يكون : خير ، هنا أريد به خير من الخيور ، و : لكم ، في موضع الصفة ، فيتعلق بمحذوف . .
والظاهر انه أفعل التفضيل ، والمفضل عليه محذوف لدلالة المعنى عليه وهو الإبداء ، والتقدير : فهو خير لكم من إبدائها . .
وظاهر الآية : أن إخفاء الصدقات على الإطلاق أفضل ، سواء كانت فرضاً أو نقلاً ، وإنما كان ذلك أفضل لبعد المتصدّق فيها عن الرياء والمنّ والأذى ، ولو لم يعلم الفقير بنفسه ، وأخفى عنه الصدقة أن يعرف ، كان أحسن وأجمل بخلوص النية في ذلك . .
قال بعض الحكماء : إذا اصطنعت المعروف فاستره ، وإذا اصطنع إليك فانشره . وقال العباس بن عبد المطلب : لا يتم المعروف إلاَّ بثلاث خصال : تعجيله ، وتصغيره في نفسك ، وستره . فإذا عجلته هنيته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا استرته أتممته . وقال سهل بن هارون : % ( يخفي صنائِعَه والله يظهرها % .
إن الجميل اذا أخفيته ظهرا .
) % .
وفي الإبداء والإخفاء طباق لفظي ، وفي قوله : وتؤتوها الفقراء طباق معنوى ، لأنه لا يؤتى الصدقات إلاَّ الأغنياء ، فكأنه قيل : إن يبد الصدقاتِ الأغنياءُ وفي هذه الآية دلالة على أن الصدقة حق للفقير ، وفيها دلالة على أنه يجوز لرب المال أن يفرق الصدق بنفسه . .
{ وَيُكَفّرُ عَنكُم مّن } قرأ بالواو الجمهور في : ويكفر ، وباسقاطها وبالياء والتاء والنون ، وبكسر الفاء وفتحها ، وبرفع الراء وجزمها ونصبها ، فاسقاط الواو رواه أبو حاتم عن الأعمش ، ونقل عنه أنه قرأ بالياء وجزم الراء ، ووجه أن بدل على الموضع من قوله : فهو خير لكم لأنه في جزم ، وكأن المعنى : يكن لكم الإخفاء خيراً من الإبداء ، أو على إضمار حرف العطف : أي ويكفر . .
وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء . وقرأ الحسن بالياء وجزم الراء ، وروي عن الأعمش بالياء ونصب الراء . وقرأ ابن عباس بالتاء وجزم الراء ،