@ 339 @ وكذلك قرأ عكرمة إلاَّ أنه فتح الفاء وبنى الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله . وقرأ ابن هرمز ، فيما حكى عنه المهدوي بالتاء ورفع الراء ، وحكي عن عكرمة ، وشهر بن حوشب : بالتاء ونصب الراء . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر : بالنون ورفع الراء . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي : بالنون والجزم ، وروي الخفض عن الأعمش بالنون ونصب الراء فيمن قرأ بالياء . .
فالأظهر أن الفعل مسند إلى الله تعالى ، كقراءة من قرأ : ونكفر ، بالنون فإنه ضمير لله تعالى بلا شك ، وقيل : يعود على الصرف ، أي صرف الصدقات ، ويحتمل أن يعول على الإخفاء أي : ويكفر إخفاء الصدقات ونسب التكفير إليه على سبيل المجاز لأنه سبب التكفير ، ومن قرأ بالتاء فالضمير في الفعل للصدقات ، ومن رفع الراء فيحتمل أن يكون الفعل خبر مبتدأ محذوف ، أي : ونحن نكفر ، أي : وهو يكفر ، أي : الله . أو الإخفاء أي : وهي تكفر أي : الصدقة . .
ويحتمل أن يكون مستأنفاً لا موضع له من الإعراب ، وتكون الواو عطفت جملة كلام على جملة كلام ، ويحتمل أن يكون معطوفاً على محل ما بعد الفاء ، إذ لو وقع مضارع بعدها لكان مرفوعاً ، كقوله : { سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ } ومن جزم الراء فعلى مراعاة الجملة التي وقعت جزاء ، إذ هي في موضع جزم ، كقوله : { وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ * فَلاَ هَادِيَ } . .
ونذرهم ، في قراءة من جزم ، ونذرهم ، ومن نصب الراء فبإضمار : أن ، وهو عطف على مصدر متوهم ، ونظيره قراءة من قرأ { يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ } بنصب الراء ، إلاَّ أنه هنا يعسر تقدير ذلك المصدر المتوهم من قوله : فهو خير لكم ، فيحتاج إلى تكلف بخلاف قوله : يحاسبكم ، فإنه يقدر تقع محاسبة فغفران . .
وقال الزمخشري : ومعناه : وإن تخفوها يكن خيراً لكم ، وأن نكفر عنكم . إنتهى . .
وظاهر كلامه هذا أن تقديره ؛ وأن نكفر ، يكون مقدّراً بمصدر ، ويكون معطوفاً على : خيراً ، خبر يكن التي قدرها كأنه قال : يكن الإخفاء خيراً لكم وتكفيراً ، فيكون : أن يكفر في موضع نصب . .
والذي تقرر عند البصريين أن هذا المصدر المنسبك من أن المضمرة مع الفعل المنصوب بها هو مرفوع معطوف على مصدر متوهم مرفوع ، تقديره من المعنى ، فإذا قلت : ما تأتينا فتحدّثنا ، فالتقدير : ما يكون منك إتيان فحديث ، وكذلك إن تجيء وتحسن إلى أحسن إليك ، التقدير إن يكن منك مجيء وإحسان أحسن إليك . وكذلك ما جاء بعد جواب الشرط . كالتقدير الذي قدّرناه في : يحاسبكم به الله ، في قراءة من نصب ، فيغفر ، فعلى هذا يكون التقدير : وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن زيادة خير للإخفاء على خير للإبداء وتكفير . .
وقال المهدوي : في نصب الراء : هو مشبه بالنصب في جواب الإستفام ، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام . .
وقال ابن عطية : بالجزم في الراء أفصح هذه القراءات لأنها تؤذن بدخول التكفير في الجزاء ، وكونه مشروطاً إن وقع الإخفاء ، وأما رفع الراء فليس فيه هذا المعنى . إنتهى . .
ونقول : إن الرفغ أبلغ وأعم ، لأن الجزم يكون على أنه معطوف على جواب الشرط الثاني ، والرفع بدل على أن التكفير مترتب من جهة المعنى على بذل الصدقات ، أبديت أو أخفيت ، لأنا نعلم أن هذا التكفير متعلق بما قبله ، ولايختص التكفير بالإخفاء فقط ، والجزم يخصصه به ، ولا يمكن أن يقال : إن الذي يبدي الصدقات لا يكفر من سيئآته ، فقد صار التكفير شاملاً للنوعين من إبداء الصدقات وإخفائها ، وإن كان الإخفاء خيراً من الإبداء . .
و : من ، في قوله : من سيئاتكم ، للتبغيض ، لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات . وحكى الطبري عن فرقة قالت : من ، زائدة في هذا الموضع . قال ابن عطية وذلك منهم خطأ ، وقول من جعلها سببية وقدر : من أجل ذنوبكم ضعيف . .
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ختم الله بهذه الصفة لأنها تدل على العلم بما لطف من الاشياء وخفي ، فناسب الإخفاء ختمها بالصفة المتعلقة بما خفي ، والله أعلم . .
{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَاكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء } اختلف النقل في سبب نزول هذه الآية ، ومضمونها أن من أسلم كره أن يتصدق على قريبه المشرك ، أو على المشركين ، أو