@ 337 @ والدنيا من المغفرة والفضل ، وبين أن هذا الأمر والفرق بين الوعدين لا يدركه إلاَّ من تخصص بالحكمة التي يؤتيها الله من يشاء من عباده ، رجع إلى ذكر النفقة والحث عليها ، وأنها موضوعة عند من لا ينسى ولا يسهو ، وصار ذكر الحكمة مع كونه متعلقاً بما تقدم كالاستطراد ، والتنويه بذكرها ، والحث على معرفتها . .
{ إِن تُبْدُواْ * الصَّدَقَاتِ } أي : إن تظهروا إعطاء الصدقات . قال الكلبي : لما نزلت : { وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ } الآية قالوا : يا رسول االله أصدقة السر أفضل أم صدقة العلانية ؟ فنزلت : { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ } وقال يزيد بن أبي حبيب : نزلت في الصدقه على اليهود والنصارى ، وكان يأمر بقسم الزكاة في السر ، والصدقات ظاهر العموم ، فيشمل المفروضة والمتطوّع بها . .
وقيل الألف واللام للعهد ، فتصرف إلى المفروضة ، فإن الزكاة نسخت كل الصدقات ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، ويزيد بن أبي حبيب . .
وقيل : المراد هنا صدقات التطوّع دون الفرض ، وعليه جمهور المفسرين ، وقاله سفيان الثوري . .
وقد اختلفوا : هل الأفضل إظهار المفروضة أم إخفاؤها ؟ فذهب ابن عباس وآخرون إلى أن إظهارها أفضل من إخفائها . وحكى الطبري الإجماع عليه واختاره ، القاضي أبو يعلى ، وقال أيضاً ابن عباس : إخفاء صدقة التطوّع أفضل من إظهارها ، وروي عنه : صدقات السر في التطوّع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً . .
قال القرطبي : ومثل هذا لا يقال بالرأي ، وانما هو توقيف ، وقال قتادة : كلاهما إخفاؤه أفضل . وقال الزجاج : كان إخفاء الزكاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أحسن ، فأما اليوم فالناس مسيئون الظن فاظهارها أفضل . وقال ابن العربي : ليس في تفضيل صدقة السرّ على العلانية ، ولا صدقة العلانية على صدقة السر ، حديث صحيح / . .
{ فَنِعِمَّا هِىَ } الفاء جواب الشرط ، و : نعم ، فعل لا يتصرف ، فاحتيج في الجواب إلى الفاء والفاعل بنعم مضمر مفسر بنكرة لا تكون مفردة في الوجود نحو : شمس وقمر . و : لا ، متوغلة في الإبهام نحو غير . ولا أفعل التفضيل نحو أفضل منك ، وذلك نحو : نعم رجلاً كزيد ، والمضمر مفرد واإن كان تمييزه مثنى أو مجموعاً ، وقد أعربوا : ما ، هنا تمييزاً لذلك المضمر الذي في نعم ، وقدروه بشيئاً : فما ، نكرة تامة ليست موصوفة ولا موصولة ، وقد تقدّم الكلام على : ما ، اللاحقة لهذين الفعلين ، أعنى : نعم وبئس ، عند قوله تعالى : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ } وقد ذكرنا مذاهب الناس فيها ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا ، وهي : ضمير عائد على الصدقات ، وهو على حذف مضاف أي : فنعما ، ابداؤها ، ويجوز أن لا يكون على حذف مضاف ، بل يعود على الصدقات بقيد وصف الإبداء ، والتقدير في : فنعما هي ، فنعما الصدقات المبدأة وهي مبتدأ على أحسن الوجوه ، وجملة المدح خبر عنه ، والرابط هو العموم الذي في المضمر المستكن في : نعم . .
وقرأ ابن كثير ، وورش ، وحفص : فنعما ، بكسر النون والعين هنا وفي النساء ، ووجه هذه القراءة أنه على لغة من يحرك العين ، فيقول : نعم ، ويتبع حركة النون بحركة العين ، وتحريك العين هو الأصل ، وهي لغة هذيل ، ولا يكون ذلك على لغة من أسكن العين ، لأنه يصير مثل : جسم مالك ، وهو لا يجوز إدغامه على ما ذكروا . .
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : فنعما ، فيهما بفتح النون وكسر العين . وهو الأصل ، لأن وزنه على فعل . وقال قوم : يحتمل قراءة كسر العين أن يكون على لغة من أسكن ، فلما دخلت ما وأدغمت حركت العين لالتقاء الساكنين . وقرأ