@ 333 @ الاطمئنان إليه ، فإذا اطمأن إليه وخاف الفقر تسلط عليه بالأمر ، إذ الأمر استعلاء على المأمور . .
وقال الزمخشري : والفاحش عند العرب البخيل ، وقال أيضاً : ويأمركم بالفحشاء ويغريكم على البخل ومنع الصدقات ، انتهى . فتكون الجملة الثانية كالتوكيد للأولى ، ونظرنا إلى ما شرحه الشراح في الفاحش في نحو قول الشاعر : % ( حتى تأوى إلى لا فاحش برم % .
ولا شحيح إذا أصحابه غنموا .
) % .
وقال الآخر : % ( أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى % .
عقيلة مال الفاحش المتشدّد .
) % .
فقالوا : الفاحش السيء الخلق ، ولو كان الفاحش هو البخيل لكان قوله : ولا شحيح ، من باب التوكيد . وقال في قول امرىء القيس : .
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش .
إن معناه ليس بقبيح ، ووافق الزمخشري أبا مسلم في تفسير الفاحش بالبخيل ، والفحشاء بالبخل ، قال بعضهم . وأنشد أبو مسلم قول طرفة : .
عقيلة مال الفاحش المتشدّد .
قال : والأغلب في كلام العرب ، وفي تفسير البيت الذي أنشده أن الفاحش السيء الردّ لضيفانه ، وسؤَّاله . قال : وقد وجدنا بعد ذلك شعراً يشهد لتأويل أبي مسلم أن الفحشاء البخل . وقال راجز من طيء : % ( قد أخذ المجد كما أرادا % .
ليس بفحاش يصر الزادا .
) % .
انتهى . ولا حجة في هذا البيت على أنه أراد بالفحاش البخيل ، بل يحمل على السيء الخلق ، أو السيء الردّ ، ويفهم البخيل من قوله : يصر الزادا . .
{ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مّنْهُ وَفَضْلاً } أي ستراً لذنوبكم مكافأة للبذل ، وفضلاً زيادة على مقتضى ثواب البذل . وقيل : وفضلاً ، أن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم ، أو وثواباً عليه في الآخرة ، ولما تقدّم قوله : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } وكان الحامل لهم على ذلك إنما هو الشح والبخل بالجيد الذي مثيره الشيطان ، بدىء بهذه الجملة من قوله { الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ } وإن ما تصدّقتم من الخبيث إنما ذلك من نزغات الشيطان ليقبح لهم ما ارتكبوه من ذلك بنسبته إلى الشيطان ، فيكون أبعد شيء عنه . .
ثم ذكر تعالى في مقابلة وعد الشيطان وعد الله بشيئين : أحدهما : الستر لما اجترحوه من الذنوب ، والثاني : الفضل وهو زيادة الرزق والتوسعة في الدنيا والآخرة . روي أن في التوراة : عبدي ، أنفق من رزقي أبسط عليك فضلي ، فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة ، وفي كتاب الله مصداقه : { وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ } . .
{ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ } أي : واسع بالجود والفضل على من أنفق ، عليم بنيات من أنفق ، وقيل : عليم أين يضع فضله ، ووردت الأحاديث بتفضيل الإنفاق والسماحة وذمّ البخل ، منها حديث البراء ،