@ 311 @ فصرهنّ ، بتشديد الراء وضم الصاد وكسرها من صرّه يصرّه ويصرّه ، إذا جمعه ، نحو : ضره يضره ويضره ، وكونه مضاعفاً متعدياً جاء على يفعل بكسر العين قليل ، وعنه : فصرهنّ ، بفتح الصاد وتشديد الراء وكسرها من التصرية ، ورويت هذه القراءة عن عكرمة . وعنه أيضاً : فصرهنّ إليك ، بضم الصاد وتشديد الراء . .
وإذا تؤول : فصرهنّ ، بمعنى القطع فلا حذف ، أو بمعنى : الإمالة فالحذف ، وتقديره : وقطعهنّ واجعلهنّ أجزاءً ، وعلى تفسير : فصرهنّ بمعنى أملهنّ وضمهنّ إلى نفسك ، فإنما كان ذلك ليتأمل أشكالها وهيئاتها وحلاها لئلا يلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم أنها غير تلك . .
{ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا } العموم في كل جبل مخصص بوصف محذوف أي : يليك ، أو : بحضرتك ، دون مراعاة عدد . قاله مجاهد . وروي عن ابن عباس أنه أمر أن يجعل على كل ربع من أرباع الدنيا ، وهو بعيد . وخصصت الجبال بعدد الأجزاء ، فقيل : أربعة ، قاله قتادة ، والربيع ، وقيل : سبعة ، قاله السدي ، وابن جريج ، قيل : عشرة ، قاله أبو عبد الله الوزير المغربي ، وقال عنه في رجل أوصى بجزء من ماله : إنه العشر ، إذ كانت أشلاء الطيور عشرة . .
والظاهر أنه أمر أن يجعل على كل جبل ثلاثة مما يشاهده بصره ، بحيث يرى الأجزاء ، وكيف تلتئم إذا دعا الطيور . .
وقرأ الجمهور جزءاً باسكان الزاي وبالهمز ، وضم أبو بكر : الزاي ، وقرأ أبو جعفر ، جزّاً ، بحذف الهمزة وتشديد الزاي ، ووجهه أنه حين حذف ضعف الزاي ، كما يفعل في الوقف ، كقولك : هذا فرج . ثم أجرى مجرى الوقف . .
و : اجعل ، هنا يحتمل أن تكون بمعنى : ألق ، فيتعدى لواحد ، ويتعلق على كل جبل . باجعل ، ويحتمل أن يكون بمعنى : صير ، فيتعدى إلى اثنين ، ويكون الثاني على كل جبل ، فيتعلق بمحذوف . .
{ ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } أمره بدعائهنّ أموات ، ليكون أعظم له في الآية ، ولتكون حياتها متسببة عن دعائه ، ولذلك رتب على دعائه إياهنّ إتياهنّ إليه ، والسعي هو الإسراع في الشيء . .
وقال الخليل : لا يقال سعى الطائر ، يعنى على سبيل المجاز ، فيقال : وترشيحه هنا هو أنه لما دعاهنّ فأتينه تنزلن منزلة العاقل الذي يوصف بالسعي ، وكان إتيانهنّ مسرعات في المشي أبلغ في الآية ، إذ اتيانهنّ إليه من الجبال يمشين مسرعات هو على خلاف المعهود لهنّ من الطيران ، وليظهر بذلك عظم الآية ، إذ أخبره أنهنّ يأتين على خلاف عادتهنّ من الطيران ، فكان كذلك . وجعل سيرهنّ إليه سعياً ، إذ هو مشية المجد الراغب فيما يمشي إليه ، لإظهار جدها في قصد إبراهيم ، وإجابة دعوته . .
وانتصاب : سعياً ، على أنه مصدر في موضع الحال من ضمير الطيور ، أي : ساعيات ، وروي عن الخليل : أن المعنى يأتينك وأنت تسعى سعياً . فعلى هذا يكون مصدر الفعل محذوف ، هو في موضع الحال من الكاف ، وكان المعنى : يأتينك وأنت ساع إليهنّ ، أي يكون منهنّ إتيان .
إليك ، ومنك سعي إليهنّ ، فتلتقي بهنّ . والوجه الأول أظهر ، وقيل : انتصب : سعياً ، على أنه مصدر مؤكد لأن السعي والإتيان متقاربان . وروي في قصص الآية أن إبراهيم أخذ هذه