@ 312 @ الطيور وذكاها وقطعها قطعاً صغاراً ، وجمع ذلك مع الدم والريش ، وجعل من ذلك المجموع المختلط جزءاً على كل جبل ، ووقف هو من حيث يرى الأجزاء ، وأمسك رؤوس الطير في يده ثم قال : تعالين بأذن الله فتطايرت . تلك الأجزاء وصار الدم إلى الدم ، والريش إلى الريش ، حتى التأمت كما كانت أولاً ، بقيت بلا رؤوس ، ثم كرر النداء فجاءته سعياً حتى وضعت أجسادها في رؤوسها ، وطارت بإذن الله . .
زاد النحاس : أن ابراهيم : كان إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه تباعد الطائر ، وإذا أشار إليه برأسه قرب منه حتى لقي كل طائر رأسه . وقال أبو عبد الله : ذبحهن ونحز أجزاءهنّ في المنحاز ، يعني الهاون إلا رؤوسهن ، وجعل ذلك المختلط عشرة أجزاء على عشرة جبال ، ثم جعل مناقيرهنّ بين أصابعه ، ثم دعاهنّ فأتين سعياً يتطاير اللحم إلى اللحم ، والريش إلى الريش ، والجلد إلى الجلد ، بقدرة الله تعالى . .
وأجمع أهل التفسير أن إبراهيم قطع أعضاءها ولحومها وريشها وخلط بعضها ببعض مع دمائها ، وأنكر ذلك أبو مسلم ، وقال : لما طلب إبراهيم احياء الميت من الله ، أراه مثالاً قرب به الأمر عليه ، والمراد : يصرهنّ إليك : أملهنّ ، ومر بهنّ على الإجابة بحيث يصرن إذا دعوتههّن أجبنك ، فاذا صرن كذلك فاجعل على كل جبل منهنّ واحداً منها حال حياته ، ثم ادعهنّ يأتينك سعياً . .
والغرض منه ذكر مثال محسوس في عود الأرواح إلى الأجساد على سبيل السهولة ، وأنكر القول بالتقطيع ، قال : لأن المشهور في اللغة في : فصرهنّ ، أملهنّ وأما التقطيع والذبح ، فليس في اللفظ ما يدل عليه ، وبأنه لو كان المعنى : قطعهنّ ، لم يقل : إليك ، وتعليقه : بخذ ، خلاف الظاهر ، وبأن الضمير في ثم ادعهنّ ، وفي يأتينك عائد اليها لا إلى الأجزاء وعودة على الاجزاء المتفرقة خلاف الظاهر ، ولا دليل فيما ذكر ، واحتج الأول بإجماع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم على التقطيع ، وبأن ما ذكره غير مختص بابراهيم ، فلا مزية له . وبأنه سأله أن يريه كيف يحي الموتى ، ولا إراءة فيما ذكره أبو مسلم . .
واحتج للقول الأول باجماع المفسرين الذين كانوا قبل ذلك . .
والظاهر أنه أجيب بأن ظاهر : ثم اجعل ، على كل جبل منهنّ جزى ، يدل على أن تلك الطيور جعلت جزءاً جزءاً ، لأن الواحد منها سمي جزءاً ، وجعل كل واحد على جبل . .
{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } عزير لا يمتنع عليه ما يريد ، حكيم فيما يريد ويمثل ، والعزة تتضمن القدرة ، لأن الغلبة تكون عن العزة . وقيل : عزيز منتقم ممن ينكر بعث الأموات ، حكيم في نشر العظام الرفات . .
وقد تضمنت هذه القصص الثلاث ، من فصيح المحاورة بذكر : قال ، سؤالاً وجواباً ، وغير ذلك من غير عطف ، إذ لا يحتاج إلى التشريك بالحرف إلاَّ إذا كان الكلام بحيث لو لم يشرك لم يستقل ، فيؤتى بحرف التشريك ليدل على معناه . أما إذا كان المعنى يدل على ذلك ، فالأحسن ترك الحرف إذا كان أخذ بعضه بعنق بعض ، ومرتب بعضه من حيث المعنى على بعض ، وقد أشرنا إلى شيء من هذا في قوله : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنّى * جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً } ومما جاء ذلك كثيراً محاورة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسيأتي تفسير ذلك إن شاى الله تعالى . .
2 ( { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاٌّ ذَى كَالَّذِى يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاٌّ خِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا