@ 309 @ .
ألستم خير من ركب المطايا .
وقوله تعالى : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } المعنى : أنتم خير ، وقد شرحنا لك صدرك ، وكذلك هذا معناه : قد آمنت بالإحياء . قال ابن عطية ، إيماناً مطلقاً دخل فيه فعل إحياء الموتى ، والواو : واو حال ، دخلت عليها ألف التقرير . انتهى كلامه . وكون الواو هنا للحال غير واضح ، لأنها إذا كانت للحال فلا بد أن يكون في موضع نصب ، وإذ ذاك لا بد لها من عامل ، فلا تكون الهمزة للتقرير دخلت على هذه الجملة الحالية ، إنما دخلت على الجملة التي اشتملت على العامل فيها وعلى ذي الحال ، ويصير التقدير : أسألت ولم تؤمن ؟ أي : أسألت في هذه الحال ؟ . .
والذي يظهر أن التقرير إنما هو منسحب على الجملة المنفية ، وأن : الواو ، للعطف ، كما قال : { أَوَ لَمْ * يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءامِناً } ونحوه . واعتنى بهمزة الاستفهام ، فقدّمت . وقد تقدّم لنا الكلام في هذا ، ولذلك كان الجواب : ببلى ، في قوله { قَالَ بَلَى } وقد تقرر في علم النحو أن جواب التقرير المثبت ، وإن كان بصورة النفي ، تجريه العرب مجرى جواب النفي المحض ، فتجيبه على صورة النفي ، ولا يلتفت إلى معنى الإثبات ، وهذا مما قررناه ، أن في كلام العرب ما يلحظ في اللفظ دون المعنى ، ولذلك علة ذكرت في علم النحو ، وعلى ما قاله ابن عطية من أن : الواو ، للحال لا يتأتى أن يجاب العامل في الحال بقوله : بلى ، لأن ذلك الفعل مثبت مستفهم عنه ، فالجواب إنما يكون في التصديق : بنعم ، وفي غير التصديق : بلا ، أما أن يجاب : ببلى ، فلا يجوز ، وهذا على ما تقرر في علم النحو . .
{ قَالَ بَلَى وَلَاكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } . قال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال : أو لم تؤمن ، وقد علم أنه أثبت الناس إيماناً ؟ . .
قلت : ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين ، و : بلى ، إيجاب لما بعد النفي ، معناه : بلى آمنت ، ولكن ليطمئن قلبي ، ليزيد سكوناً وطمأنينة بمضامّة علم الضرورة علم الاستدال . وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب ، وأزيد للبصيرة واليقين ، ولأن علم الاستدلال يجوز معه التشكيك ، بخلاف العلم الضروري ، فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك . انتهى كلامه . وليس علم الاستدلال يجوز معه التشكيك كما قال ، بل منه ما يجوز معه التشكيك . أما إذا كان عن مقدمات صحيحة فلا يجوز معه التشكيك ، كعلمنا بحدوث العالم ، وبوحدانية الموجد ، فمثل هذا لا يجوز معه التشكيك . .
وقال ابن عطية : ليطمئن ، معناه : ليسكن عن فكره في الشيء المعتقد ، والفكر في صورة الإحياء غير محظور ، كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها ، بل هي فكر فيها عبر ، إذ حركه إلى ذلك ، أما أمر الدابة المأكولة ، وأما قول النمروذ { أَلَمْ تَرَ * أَوْ * وَأُمِيتُ } . انتهى كلامه . وهو حسن . .
واللام في قوله : ليطمئن ، متعلقة بمحذوف بعد لكن ، التقدير : ولكن سألت مشاهدة الكيفية لإحياء الموتى ليطمئن قلبي ، فيقتضي تقدير هذا المحذوف تقدير محذوف آخر قبل لكن حتى يصح الاستدراك ، التقدير : قال : بلى أي آمنت ، وما سألت عن غير إيمان ، ولكن سألت ليطمئن قلبي . .
وروي عن : ابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة : ليزداد يقيناً ، وعن بعضهم : لأزداد إيماناً مع إيماني . قال ابن عطية : ولا زيادة في هذا المعنى تمكن إلاَّ السكون عن الفكر ، وإلاَّ فاليقين لا يتبعض انتهى . .
وقال النصراباذي : حنّ الخليل إلى صنع خليله ولم يتهمه في أمره ، فكأنه قوّله الشوق : أرني ، كما قال موسى عليه السلام ، ثم تعلل برؤية الصنع له تأدباً . وحكى القشيري أنه قيل : استجلب خطاباً بهذه القالة ، حتى قال له الحق : أو لم تؤمن ؟ قال : بلى آمنت ، ولكن اشتقت إلى قولك : أو لم تؤمن ؟ فإني بقولك : أو لم تؤمن ؟ يطمئن قلي . والمحب أبداً يجتهد في أن يجد خطاب حبيبه على أي وجه أمكنه . .
{ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ الطَّيْرِ } لما سأل رؤية كيفية إحياء الموتى أجابة تعالى لذلك ، وعلمه كيف يصنع أولاً ، فأمره أن يأخذ أربعة من الطير ، ولم يذكر الله تعالى تعيين الأربعة من أي جنس هي من الطير ، فيحتمل أن يكون المأمور به معيناً ، وما ذكر تعيينه ،