@ 308 @ أبي رجاء ، وحمزة ، والكسائي إعلم ، فعل أمر من علم ، فالفاعل ضمير يعود على الله تعالى ، أو على الملك القائل له عن الله ، ويناسب هذا الوجه الأوامر السابقة من قوله : وانظر ، فقال له : إعلم ، ويؤيده قراءة عبد الله والأعمش : قيل ، اعلم ، فبنى : قيل ، لما لم يسم فاعله ، والمفعول الذي لم يسم فاعله ضمير القول لا الجملة ، وقد تقدّم الكلام على ذلك أول هذه السورة مشبعاً فأغنى عن إعادته هنا . .
وجوّزوا أن يكون الفاعل ضمير المار ، ويكون نزل نفسه منزلة المخاطب الأجنبي ، كأنه قال لنفسه : إعلم ، ومنه : ودّع هريرة ، وألم تغتمض عيناك ، وتطاول ليلك ، وإنما يخاطب نفسه ، نزلها منزلة الأجنبي . .
وروى الجعبي عن أبي بكر قال : اعلم ، أمراً من أعلم ، فالفاعل بقال يظهر أنه ضمير يعود على الله ، أمره أن يعلم غيره بما شاهد من قدرة الله ، وعلى ما جوّزوا في : اعلم الأمر ، من علم يجوز أن يكون الفاعل ضمير المار . .
{ وَإِذْ قَالَ إِبْراهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى } مناسبة هذة الآية لما قبلها في غاية الظهور ، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى الله تعالى ، في قول إبراهيم أراه ذلك في غيره ، وقدّمت آية المار على آية إبراهيم ، وإن كان إبراهيم مقدّماً في الزمان على المار ، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت ، وإن كان تعجب اعتبارٍ فأشبه الإنكار ، وإن لم يكن إنكاراً فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم ، وأما إن كان المار كافراً فظهرت المناسبة أقوى ظهور . وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء ، ليشاهد عياناً ما كان يعلمه بالقلب ، وأخبر به نمروذ . .
والعامل في : إذ ، على ما قالوا محذوف ، تقديره : واذكر إذ قال ، وقيل : العامل مذكور وهو : ألم تر ، المعنى : ألم تر إذ قال ، وهو مفعول : بتر . والذي يظهر أن العامل في : إذ ، قوله { قَالَ أُوْحِى * لَّمْ تُؤْمِنُواْ } كما قررنا ذلك في قوله { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } وفي افتتاح السؤال بقوله : رب ، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال ، وليناسب قوله لنمروذ { رَبّيَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ } لأن الرب هو الناظر في حاله ، والمصلح لأمره ، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء ، بالكسرة ، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم ، وحذف حرف النداء للدّلالة عليه . و : أرني ، سؤال رغبة ، وهو معمول : لقال ، والرؤية هنا بصرية ، دخلت على رأى همزة النقل ، فتعدّت لاثنين : أحدهما ياء المتكلم ، والآخر الجملة الاستفهامية . فقول { كَيْفَ تُحْىِ * الْمَوْتَى } في موضع نصب ، وتعلق العرب رأى البصرية من كلامهم ، أما ترى ، أيّ برق هاهنا . كما علقت : نظر ، البصرية . وقد تقرر . .
وعلم أن الأنبياء ، عليهم السلام ، معصومون من الكبائر والصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً ، قاله ابن عطية ، والذي اخترناه أنهم معصومون من الكبائر والصغائر على الإطلاق ، وإذا كان كذلك ، فقد تكلم بعض المفسرين هنا في حق من سأل الرؤية هنا بكلام ضربنا عن ذكره صفحاً ، ونقول : ألفاظ الآية لا تدل على عروض شيء يشين المعتقد ، لأن ذلك سؤال أن يريه عياناً كيفية إحياء الموتى ، لأنه لما علم ذلك بقلبه وتيقنه ، واستدل به على نمروذ في قوله { رَبّيَ الَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ } طلب من الله تعالى رؤية ذلك ، لما في معاينة ذلك من رؤية اجتماع الأجزاء المتلاشية ، والأعضاء المتبدّدة ، والصور المضمحلة ، واستعظام باهر قدرته تعالى . والسؤال عن الكيفية يقتضي تيقن ما سأل عنه : وهو الإحياء وتقرره ، والإيمان به ، وأنه مما انطوى الضمير على اعتقاده . وأماما ذكره الماوردي عن بعض أهل المعاني : أن إبراهيم سأل من ربه كيف يحيي القلوب ، فتأويل ليس بشيء قالوا في سبب سؤاله أقوال أحدهما : أنه رأى دابة قد توزعتها السباع والحيتان لأنها كانت على حاشية البحر ، قاله ابن زيد . أو : الفكر في الحقيقة والمجاز لما قاله نمروذ : { أَلَمْ تَرَ إِلَى } قاله ابن إسحاق ، أو : التجربة للخلة من الله إذ بشر بها ، لأن الخليل يدل بما لا يدل غيره ، قاله ابن جبير . .
{ قَالَ أُوْحِى * لَّمْ تُؤْمِنُواْ } الضمير في : قال ، عائد على الرب ، والهمزة للتقرير ، كقوله .