@ 212 @ بالشروط التي تقدمت ، وهذا مفهوم من صدر الآية ، والحكم الثاني : أنه يجوز للزوج الثاني الذي طلقها أن يراجعها ، لأنه ينزل منزلة الأول ، فيجوز لهما أن يتراجعا ، ويكون ذلك دفعاً لما يتبادر إليه الذهن من أنه إذا طلقها الثاني حلت للأول ، فبكونها حلت له اختصت به ، ولا يجوز للثاني أن يردها ، فيكون قوله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا } مبيناً أن حكم الثاني حكم الأول ، وأنه لا يتحتم أن الأول يراجعها ، بل بدليل إن انقضت عدّتها من الثاني فهي مخيرة فيمن يرتد منهما أن تتزوجه ، فإن لم تنقضِ عدّتها ، وكان الطلاق رجعياً ، فلزوجها الثاني أن يراجعها ، وعلى هذا لا يحتاج إلى حذف بين قوله : { فَإِن طَلَّقَهَا } وبين قوله : { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا } ويحتاج إلى الحذف إذا كان الضمير في : عليهما ، عائداً على المطلق ثلاثاً وعلى الزوجة ، وذلك المحذوف هو ، وانقضت عدّتها منه ، أي : فإن طلقها الثاني وانقضت عدتها منه فلا جناح على المطلق ثلاثاً والزوجة أن يتراجعا ، وقوله : { إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } أي : إن ظن الزوج الثاني والزوجة أن يقيما حدود الله ، لأن الطلاق لا يكاد يكون في الغالب إلاَّ عند التشاجر والتخاصم والتباغض ، وتكون الضمائر كلها منساقة انسياقاً واحداً لا تلوين فيه ، ولا اختلاف مع استفادة هذين الحكمين من حمل الضمائر على ظاهرها ، وهذا الذي ذكرناه غير منقول ، بل الذي فهموه هو تكوين الضمائر واختلافها . .
{ أَن يَتَرَاجَعَا } أي : في أن يتراجعا ، والضمير في : عليهما ، وفي : أن يتراجعا ، على ما فسروه ، عائد على الزوج الأوّل والزوجة التي طلقها الزوج الثاني . .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنه الحر ، إذا طلق زوجته ثلاثاً . ثم انقضت عدتها ، ونكحت زوجاً ودخل بها ، ثم نكحها الأول ، أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات ثم ترجع إلى الأول ؛ فقالت طائفة : تكون على ما بقي من طلاقها ، وبه قال أكابر الصحابة : عمر ، وعلي ، وأبي ، وعمران بن حصين ، وأبو هريرة ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، ومن التابعين : عبيدة السلماني ، وابن المسيب ، والحسن ، ومن الأئمة : مالك ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، ومحمد بن الحسن ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وابن نصر . .
وقالت طائفة : يكون على نكاح جديد بهدم الزوج الثاني الواحدة والثنتين كما يهدم الثلاث ، وبه قال ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، والنخعي ، وشريح ، وأصحاب عبد الله إلاَّ عبيدة وهو مذهب أبي حنيفة ، وأبي يوسف . .
وقيل : قول ثالث إن دخل بها الآخر فطلاق جديد ، ونكاح الأول جديد ، وإن لم يكن يدخل بها فعلى ما بقي . .
{ إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } أي إن ظن كل واحد منهما أنه يحسن عشرة صاحبه ، وما يكون له التوافق بينهما من الحدود التي حدها الله لكل واحد منهما ، وقد ذكرنا طرقاً مما لكل واحد منهما على الآخر في قوله : { وَلَهُنَّ مِثْلُ * الَّذِينَ * عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وقال ابن خويز : اختلف أصحابنا ، يعني أصحاب مالك ، هل على الزوجة خدمة أم لا ؟ فقال بعضهم : ليس على الزوجة أن تطالب بغير الوطء . وقال بعضهم : عليها خدمة مثلها ، فإن كانت شريفة المحل ، ليسار أبوة أو ترفة ، فعليها تدبير أمر المنزل وأمر الخادم ، وإن كانت متوسطة الحال فعليها ان تفرش الفراش ونحوه ، وإن كانت من نساء الكرد والدين في بلدهن كلفت ما تكلفه نساؤهم ، وقد جرى أمر المسلمين في بلدانهم ، في قديم الأمر وحديثه ، بما ذكرنا . ألا ترى أن نساء الصحابة كنّ يُكلَّفنّ الطحن والخبيز والطبيخ وفرش الفراش وتقريب الطعام وأشباه ذلك ، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك ، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصَّرن في ذلك . .
و : إن ظنا ، شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه ، فيكون جواز التراجع موقوفاً على شرطين : أحدهما : طلاق الزوج الثاني ، والآخر : ظنهما إقامة حدود الله ، ومفهوم الشرط الثاني أنه لا يجوز : إن لم يظنا ، ومعنى الظن هنا تغليب أحد الجائزين ، وبهذا يتبين أن معنى الخوف في آية الخلع معنى الظن ، لأن مساق الحدود مساق واحد . .
وقال أبو عبيدة وغيره المعنى : أيقنا ، جعل الظن هنا