@ 122 @ والكلبي ، ومقاتل وقال السدي : فمر بزرع للمسلمين وحُمْرٍ ، فأحرق الزرع ، وغفر الحمر ، قيل : وفيه نزلت { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } و { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } . .
وقال ابن عباس : في كفار قريش ، أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : إنا قد أسلمنا ، فابعث إلينا من يعلمنا دينك ، وكان ذلك مكراً منهم ، فبعث إليهم خبيباً ، ومرشداً ، وعاصم بن ثابت ، وابن الدنية ، وغيرهم ، وتسمى : سرية الرجيع ، والرجيع موضع بين مكة والمدينة ، فقتلوا ، وحديثهم طويل مشهور في الصحاح . .
وقال قتادة ، وابن زيد : نزلت في كل منافق أظهر بلسانه ما ليس في قلبه . .
وروي عن ابن عباس : أنها في المنافقين ، قالوا عن سرية الرجيع : ويح هؤلاء ما فقدوا في بيوتهم ، ولا أدوا رسالة صاحبهم . .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه : لما قسم السائلين الله قبلُ إلى : مقتصد على أمر الدنيا ، وسائل حسنة الدنيا ، والآخرة ، والوقاية من النار ، أتى بذكر النوعين هنا ، فذكر مِن النوع الأول من هو حلو المنطق ، مظهر الود ، وليس ظاهره كباطنه ، وعطف عليه من يقصد رضي الله تعالى ، ويبيع نفسه في طلبه ، وقدم هنا الأول لأنه هناك المقدم في قوله : { فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ * رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا } وأحال هنا على إعجاب قوله دون غيره ، من الأوصاف ، وأن القول هو الظاهر منه أولاً في قوله تعالى : { فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا } ، فكان من حيث توجهه إلى الله تعالى في الدعاء ، ينبغي أن يكون لا يقتصر على الدنيا ، وإن سأل منه ما ينجيه من عذابه ، وكذلك هذا الثاني ينبغي أن لا يقتصر على حلاوة منطقه ، بل كان يطابق في سريرته لعلانيته . .
و : مَنْ ، من قوله : من يعجبك ، موصولة ، وقيل : نكرة موصوفة ، والكاف في : يعجبك ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ) إن كانت نزلت في معين ، كالأخنس أو غيره ، أو خطاب لمن كان مؤمناً إن كانت نزلت في غير معين ممن ينافق قديماً أو حديثاً . .
ومعنى إعجاب قوله استحسانه لمواقفه ما أنت عليه من الإيمان والخبر ، وجاء في الترمذي : ( أن في بعض كتب الله إن من عباد الله قوماً ألسنتهم من العسل ، وقلوبهم أمرّ من الصبر ) ، الحديث . .
في الحياة ، متعلق بقوله ، أي يعجبك مقالته في معنى الدنيا ، لأن ادعاءه المحبة والتبعية بالباطل يطلب به حظاً من حظوظ الدنيا . ولا يريد به الآخرة ، إذ لا تراد الآخرة إلاَّ بالإيمان الحقيقي ، والمحبة الصادقة ، وقال الزمخشري ، بعد أن ذكر هذا الوجه : ويجوز أن يتعلق بيعجبك أي : قوله حلو ، فيصح : في الدنيا ، فهو يعجبك ولا يعجبك في الآخرة ، لما ترهقه في الموقف من الحبسة والكنة ، أو لأنه لا يؤذن لهم في الكلام ، فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه . انتهى . وفيه بُعد . .
والذي يظهر أنه متعلق بيعجبك لا على المعنى الذي قاله ، والمعنى أنك تستحسن مقالته دائماً في مدة حياته ، إذ لا يصدر منه من القول إلاَّ ما هو معجب رائق لطيف ، فمقالته في الظاهر معجبة دائماً . أَلاَ تراه يعدل على تلك المقالة الحسنة الرائقة ، إلى مقالة خشنة منافية ، ومع ذلك أفعاله منافية لأقواله الظاهرة ، وأقواله الباطلة مخالفة أيضاً لأقواله الظاهرة ؟ إذ لا يحمل قوله : يعجبك قوله ، وقوله : { وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ } إلاَّ على حالتين : فهو حلو المقالة في الظاهر ، شديد الخصومة في الباطن . .
{ وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى * فِى مَا * قَلْبَهُ } قرأ الجمهور بضم الياء وكسر الهاء . ونصب الجلالة من : أشهد ، وقرأ أبو حيوة ، وابن محيصن بفتح الياء والهاء ورفع الجلالة ، من شهد ، وقرأ أبي ، وابن مسعود : ويستشهد الله ، والمعنى على قراءة الجمهور ، وتفسير الجمهور ، أنه يحلف بالله ويشهده أنه صادق وقائل حقاً ، وأنه محب في الرسول والإسلام ، وقد جاءت الشهادة في معنى القسم في قصة الملاعنة في سورة النور ، قيل : ويكون اسم الله انتصب بسقوط حرف الجر ، والتقدير : ويقسم بالله على ما في قلبه ، وهذا سهو ، لأن الذي يكون يقسم به هو الثلاثي لا الرباعي ، تقول : أشهد بالله لأفعلن ، ولا تقول : أشهد بالله . .
والظاهر عندي أن المعنى : أنه يطلع الله على ما في قلبه ، ولا يعلم به أحد لشدة تكتمه وإخفائه الكفر ، وهو ظاهر قوله : { عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ } ، لأن الذي في قلبه هو خلاف ما أظهر بقوله . .
وعلى تفسير الجمهور يحتاج إلى حذف ما يصح به المعنى ، أي : ويحلف بالله على خلاف ما في قلبه ، لأن الذي في قلبه هو الكفر ،