@ 121 @ فلا إثم عليه في ترك الرخصة . .
وقيل : كان أهل الجاهلية فريقين : منهم من يؤثم المتعجل ، ومنهم من يؤثم المتأخر ، فجاء القرآن برفع الإثم عنهما ، وقيل : إنه عبر بذلك عن المغفرة ، كما روي عن علي ومن معه . وهذا أمر اشترك فيه المتعجل والمتأخر ، وقيل : المعنى : ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع عامة الناس فلا إثم عليه ، فكأنه قيل : أيام منى ثلاثة ، فمن نقص عنها فتعجل في اليوم الثاني منها فلا إثم عليه ، ومن زاد عليها فتأخر فلا إثم عليه . .
وفي هاتين الجملتين الشرطيتين من علم البديع الطباق في قوله : فمن تعجل ، ومن تأخر ، والطباق ذكر الشيء وضده ، كقوله { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى } وهو هنا طباق غريب ، لأنه ذكر تعجل مطابق تأخر ، وفي الحقيقة مطابق تعجل تأنى ، ومطابق تأخر تقدم ، فعبر في تعجل بالملزوم عن اللازم ، وعبر في تأخر باللازم عن الملزوم . .
وفيها من علم البيان المقابلة اللفظية ، إذ المتأخر أتى بزيادة في العبادة ، فله زيادة في الأجر ، وإنما أتى بقوله : فلا إثم عليه ، مقابلاً لقوله : فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، كقوله : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ } وتقدّمت الإشارة إلى هذا { لِمَنِ اتَّقَى } قيل : هو متعلق بقوله : واذكروا الله ، أي الذكر لمن اتقى ، وقيل : بانتفاء الإثم أي : يغفر له بشرط اتقائه الله فيما بقي من عمره ، قاله أبو العالية ، وقيل : المعنى ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي ، لئلا يختلج في قلبه شيء منهما ، فيحسب أن أحدهما ترهق صاحبه آثام في الإقدام عليه ، لأن ذا التقوى حذر متحرز من كل ما بريبه ، ولأنه هو الحاج على الحقيقة ، قاله الزمخشري ، وقال أيضاً : لا يجوز أن يراد ذلك الذي مرّ ذكره من أحكام الحج وغيره لمن اتقى ، لأنه هو المنتفع به دون من سواه ، كقوله : ذلك خير للذين يريدون وجهه انتهى كلامه . .
واتقى : هنا حاصلة لِمَنْ . وهي بلفظ الماضي ، فقيل : هو ماضي المعنى أيضاً ، أي : المغفرة لا تحصل إلا لمن كان متقياً منيباً قبل حجه ، نحو : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } وحقيقته أن المصرّ على الذنب لا ينفعه حجه وإن كان قد أدّى الفرض في الظاهر ، وقيل : اتقى جميع المحظورات حال اشتغاله بالحج ، قال قتادة ، وأبو صالح . وقال ابن عباس : لمن اتقى في الإحرام الرفث والفسوق والجدال ، وقال الماتر يدي : لمن اتقى قتل الصيد في الإحرام ، وقيل : يراد به المستقبل ، أي : لمن يتقى الله في باقي عمره كما قدمناه . .
والظاهر تعلقه بالآخر وهو انتفاء الإثم لقربه منه ، ولصحة المعنى أيضاً ، إذ من لم يكن متقياً لم يرتفع الإثم عنه . .
والظاهر أن مفعول اتقي المحذوف هو : الله ، أي : لمن اتقى الله ، وكذا جاء مصرحاً به في مصحف عبد الله . .
{ وَاتَّقُواْ اللَّهَ } لما ذكر تعالى رفع الإثم ، وأن ذلك يكون لمن اتقى الله ، أمر بالتقوى عموماً ، ونبه على ما يحمل على اتقاء الله بالحشر إليه للمجازاة ، فيكون ذلك حاملاً لهم على اتقاء الله ، لأن من علم أنه يحاسب في الآخرة على ما اجترح في الدنيا اجتهد في أن يخلص من العذاب ، وأن يعظم له الثواب ، وإذا كان المأمور بالتقوى موصوفاً بها ، كان ذلك الأمر أمراً بالدوام ، في ذكر الحشر تخويف من المعاصي ، وذكر الأمر بالعلم دليل على أنه لا يكفي في اعتقاد الحشر إلاَّ الجزم الذي لا يجامعه شيء من الظن ، وقدم إليه للاعتناء بمن يكون الحشر إليه ، ولتواخي الفواصل والمعنى إلى جزائه . .
وقد تكملت أحكام الحج المذكورة في هذه السورة من ذكر : وقت الحج إلى آخر فعل ، وهو : النفر ، وبدئت أولاً بالأمر بالتقوى ، وختمت به ، وتخلل الأمر بها في غضون الآي ، وذلك ما يدل على تأكيد مطلوبيتها ، ولِمَ لا تكون كذلك وهي اجتناب مناهي الله وإمساك مأموراته ، وهذا غاية الطاعة لله تعالى ، وبها يتميز الطائع من العاصي ؟ .
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا } نزلت في الأخنس بن شريق واسمه : أبي ، وكان حلو اللسان والمنظر ، يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ويظهر حبه ، والإسلام ، ويحلف على ذلك ، فكان يدنيه ولا يعلم ما أضمر ، وكان من ثقيف حليفاً لبني زهرة ، فجرى بينه وبين ثقيف شيء ، فبيتهم ليلاً وأحرق زرعهم ، وأهلك مواشيهم ، قاله عطاء