@ 120 @ بلازم في قوله { مِنْ * تَأَخَّرَ } فيكون مطاوعاً لعجل ، فتعجل ، نحو كسره فتكسر ، ومتعلق التعجل محذوف ، التقدير : بالنفس ، ويجوز أن يكون تعجل متعدياً ومفعوله محذوف أي : فمن تعجل النفر ، ومعنى : في يومين من الأيام المعدودات . وقالوا : المراد أنه ينفر في اليوم الثاني من أيام التشريق ، وسبق كلامنا على تعليق في يومين بلفظ تعجل ، وظاهر قوله : فمن تعجل ، العموم ، فسواء في ذلك الآفاقي والمكي ، لكل منهما أن ينفر في اليوم الثاني ، وبهذا قال عطاء . قال ابن المنذر : وهو يشبه مذهب الشافعي ، وبه نقول ، انتهى كلامه . فتكون الرخصة لجميع الناس من أهل مكة وغيرهم . .
وقال مالك وغيره : ولم يبح التعجيل إلاَّ لمن بُعدَ قطره لا للمكي ولا للقريب إلاَّ أن يكون له عذر . .
وروي عن عمر أنه قال : من شاء من الناس كلهم فلينفر في النفر الأول ، إلاَّ آل خزيمة . فإنهم لا ينفرون إلاَّ في النفر الآخر ، وجعل أحمد ، واسحاق قول عمر : إلاَّ آل خزيمة ، أي : أنهم أهل حرم ، وكان أحمد يقول : لمن نفر النفر الأول أن يقيم بمكة . .
وظاهر قوله : في يومين ، أن التعجل لا يكون بالليل بل في شيء من النهار ، ينفر إذا فرغ من رمي الجمار ، وهو مذهب الشافعي ، وهو مروي عن قتادة . وقال أبو حنيفة : قبل طلوع الفجر ، ويعني من اليوم الثالث ، وروي عن عمر ، وابن عامر ، وجابر بن زيد ، والحسن ، والنخعي . أنهم قالوا : من أدركه العصر وهو بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغدو ، وهذا مخالف لظاهر القرآن لأنه قال : في يومين ، وما بقي من اليومين شيء فسائغ له النفر فيه ، قال ابن المنذر : ويمكن أن يقولوا ذلك استحباباً . .
وظاهر قوله : ومن تعجل ، سقوطه الرمي عنه في اليوم الثالث ، فلا يرمي جمرات اليوم الثالث في يوم نفره . .
وقال ابن أبي زمنين : يرميها في يوم النفر الأول حين يريد التعجل . قال ابن المواز : يرمي المتعجل في يومين إحدى وعشرين حصاة كل جمرة بسبع حصات فيصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة ، يعنى : لأنه قد رمى جمرة العقبة بسبع يوم النحر . قال ابن المواز : ويسقط رمي اليوم الثالث . .
وظاهر قوله { وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُوداتٍ فَمَن تَعَجَّلَ } إلى آخره . مشروعية المبيت بمنى أيام التشريق . لأن التعجل والتأخر إنما هو في النفر من منى ، وأجمعوا على أنه لا يجوز لأحد من الحجاج أن يبيت إلاَّ بها إلاَّ للرعاء ، ومن ولي السقاية من آل العباس ، فمن ترك المبيت من غيرهما ليلة من ليالي منى ، فقال مالك ، وأبو حنيفة : عليه دم ، وقال الشافعي : من ترك المبيت في الثلاث الليالي ، فإن ترك مبيت ليلة واحدة فيلزمه ثلث دم ، أو مد أو درهم ، ثلاثة أقوال ، ولم تتعرض الآية للرمي ، لا حكماً ، ولا وقتاً ، ولا عدداً ، ولا مكاناً لشهرته عندهم . وتؤخذ أحكامه من السنة . .
وقيل : في قوله : واذكروا الله ، تنبيه عليه ، إذ من سنته التكبير على كل حصاة منها ، فلا إثم عليه . .
وقرأ سالم بن عبد الله : فلا إثم عليه ، بوصل الألف ، ووجهه أنه سهل الهمزة بين بين ، فقربت بذلك من السكون فحذفها تشبيهاً بالألف ، ثم حذف الألف لسكونها وسكون التاء ، وهذا جواب الشرط إن جعلنا : مِنْ ، شرطية ، وهو الظاهر ، وإن جعلناها موصولة كان ذلك في موضع الخبر ، وظاهره نفي الإثم عنه ، ففسر بأنه مغفور له ، وكذلك من تأخر مغفور له لا ذنب عليه ، روي هذا عن علي ، وأبي ذر ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والشعبي ، ومطرف بن الشخير ، وقال معاوية بن قرة : خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وروي عن عمر ما يؤيد هذا القول ، وقال مجاهد : المعنى من تعجل أو تأخر فلا إثم عليه إلى العام القابل . .
والذي يظهر أن المعنى : فلا إثم عليه في التعجيل ولا إثم عليه في التأخير ، لأن الجزاء مرتب على الشرط ، والمعنى أنه لا حرج على من تعجل ولا على من تأخر ، وقاله عطاء ، وذلك أنه لما أمرهم تعالى بالذكر في أيام معلومات ، وهذه الأيام قد فسرت بما أقله جمع وهي : ثلاثة أيام ، أو بأربعة ، أو بالعشر ، ثم أبيح لهم النفر في ثاني أيام التشريق ، وكان يقتضي الأمر بالذكر في جميع هذه الأيام أن لا تعجيل ، فنفي بقوله : فلا إثم عليه الحرج عن من خفف عنه المقام إلى اليوم الثالث ، فينفر فيه ، سوى بينه في الاباحة وعدم الحرج ، وبين من تأخر فعم الأيام الثلاثة بالذكر ، وهذا التقسيم يدل على التخيير بين التعجيل والتأخر ، والتخيير قد يتبع بين الفاضل والأفضل ، فقيل : جاء ومن تأخر فلا إثم عليه ، لأجل مقابلة : فمن تعجل فلا إثم عليه ، فنفى الإثم عنه وإن كان أفضل لذلك ، وقيل :