@ 119 @ به في كل واحد من اليومين ، وهنا لا يمكن ذلك ، لأن التعجيل بالنفر لم يقع في كل واحد من اليومين ، فلا بدّ من ارتكاب مجاز ، إما بأن يجعل وقوعه في أحدهما كأنه وقوع فيهما ، ويصير نظير : { نَسِيَا حُوتَهُمَا } { وَيُخْرِجْ * مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } وإنما الناسي أحدهما ، وكذلك ، إنما يخرجان من أحدهما . أو بأن يجعل ذلك على حذف مضاف ، التقدير : فمن تعجل في ثاني يومين بعد يوم النحر ، فيكون اليوم الذي بعد يوم القر المتعجل فيه ، ويحتمل أن يكون المحذوف في : تمام يومين أو إكمال يومين ، فلا يلزم أن يقع التعجل في شيء من اليومين ، بل بعدهما . وعلى هذا يصح أن يعد يوم النحر من الأيام المعدودات ، ولا يلزم أن يكون النفر يوم القر ، كما ذكره ابن عطية . .
وظاهر قوله { وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُوداتٍ } الأمر بمطلق ذكر الله في أيام معدودات ، ولم يبين ما هذه الأيام ، لكن قوله : { فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ } يشعر أن تلك الأيام هي التي ينفر فيها ، وهي أيام التشريق ، وقد قال في ( ريّ الظمآن ) : أجمع المفسرون على أن الأيام المعدودات أيام التشريق . انتهى . .
وجعل الأيام ظرفاً للذكر يدل على أنه متى ذكر الله في تلك الأيام فهو المطلوب ، ويشعر أنه عند رمي الجمار كون الرمي غير محصور بوقت ، فناسب وقوعه في أي وقت من الأيام ذكر الله فيه ، ويؤيده قوله : { فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ } وأن الخطاب بقوله : واذكروا ، ظاهر أنه للحجاج ، إذ الكلام معهم ، والخطاب قبلُ لهم ، والإخبار بعدُ عنهم ، فلا يدخل غيرهم معهم في هذا الذكر المأمور به . .
ومن حمل الذكر هنا على أنه الذكر المشروع عقب الصلاة فهو منهم في الوقت وفي الكيفية . .
أما وقته : فمن صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله عمر ، وعليّ ، وابن عباس ، أو : من غداة عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ، قاله ابن مسعود ، وعلقمة ، وأبو حنيفة . أو : من صلاة الصبح يوم عرفة إلى أن يصلي الصبح آخر أيام التشريق ، وروي عن مالك هذا . أو : من صلاة الظهر يوم النحر إلى الظهر من آخر أيام التشريق ، قاله يحيى بن سعيد . أو : من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، قاله مالك ، والشافعي . أو : من ظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله ابن شهاب . أو : من ظهر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله سعيد بن جبير . أو : من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من يوم النفر الأول ، قاله الحسن . أو : من صلاة الظهر يوم عرف إلى صلاة الظهر يوم النحر ، قاله أبو وائل . أو : من ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، قاله زيد بن ثابت ، وبه أخذ أبو يوسف في أحد قوليه . .
وأما الكيفية : فمشهور مذهب مالك ثلاث تكبيرات وفي مذهبه أيضاً رواية أنه يزيد بعدها : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولله الحمد . ومذهب أبي حنيفه ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر . ومذهب الشافعي : الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . .
وقال أبو حنيفة : يختص التكبير بأدبار الصلوات المكتوبة في جماعة ، وقال مالك : مفرداً كان أو في جماعة عقب كل فريضة ، وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ؛ وعن أحمد : القولان ، والمسافر كالمقيم في التكبير عند علماء الأمصار ، ومشاهير الصحابة ، والتابعين . وعن أبي حنيفة : أن المسافرين إذا صلوا جماعة لا تكبير عليهم ، فلو اقتدى مسافر بمقيم كبَّر ، وينبغي أن يكبر عقب السلام ، والجمهور يعمل شيئاً يقطع به الصلاة من الكلام وغيره ، وقيل استدبار القبلة ، والجمهور على ذلك ، فإن نسي التكبير حين فرغ وذكر قبل أن يخرج من المجلس فينبغي أن يكبر . .
وقال مالك في ( المختصر ) : يكبر ما دام في مجلسه ، فإذا قام منه فلا شيء عليه وقال في ( المدوّنة ) : إن نسيه وكان قريباً قعد فكبر ، وتباعد فلا شيء عليه ، وإن ذهب الامام والقوم جلوس فليكبروا ، وكذلك قال أبو حنيفة ، ومن نسي صلاة في أيام التشريق من تلك السنة قضاها وكبر ، وإن قضى بعدها لم يكبر ، ودلائل هذه المسائل مذكورة في كتب الفقة . .
والذي يظهر ما قدمناه من أن هذا الخطاب هو للحجاج ، وأن هذا الذكر هو ما يختص به الحاج من أفعال الحج ، سواء كان الذكر عند الرمي أم عند أعقاب الصلوات ، وأنه لا يشركهم غيرهم في الذكر المأمور به إلاَّ بدليل ، وأن الذكر في أيام منى ، وفي يوم النحر عقب الصلوات لغير الحجاج ، وتعيين كيفية الذكر وابتدائه وانتهائه يحتاج إلى دليل سمعي . .
{ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } الظاهر أن : تعجل ، هنا لازم لمقابلته