@ 58 @ به على قلة فطنة الرجل ، وقال : % ( عريض القفا ميزانه عن شماله % .
قد أنحصَّ من حسب القراريط شاربه وكل ما دق واستطال وأشبه الخيط سمته العرب خيطاً . .
.
) % .
وقال الزجاج : هما فجران : أحدهما يبدو سواداً معترضاً ، وهو الخيط الأسود ؛ والأخر يطلع ساطعاً يملأ الأفق ، فعنده الخيطان : هما الفجران ، سميا بذلك لامتدادهما تشبيهاً بالخيطين . وقوله : من الفجر ، يدل على أنه أريد بالخيط الأبيض الصبح الصادق ، وهو البياض المستطير في الأفق ، لا الصبح الكاذب ، وهو البياض المستطيل ، لأن الفجر هو انفجار النور ، وهو بالثاني لا بالأوّل ، وشبه بالخيط وذلك بأول حاله ، لأنه يبدو دقيقاً ثم يرتفع مستطيراً ، فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك . هذا مذهب الجمهور ، وبه أخذ الناس ومضت عليه الأعصار والأمصار ، وهو مقتضى حديث ابن مسعود ، وسمرة بن جندب . .
وقيل : يجب الإمساك بتبين الفجر في الطرق ، وعلى رؤوس الجبال ، وهاذ مروي عن عثمان ، وحذيفة وابن عباس ، وطلق بن علي ، وعطاء ، والأعمش ، وغيرهم . .
وروي عن علي أنه صلى الصبح بالناس ثم قال : الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار ، والنهار عندهم من طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد تقدم ذكر الخلاف في النهار ، وفي تعيينه إباحة المباشرة والأكل والشرب بتبين الفجر للصائم دلالة على أن من شك في التبين وفعل شيئاً من هذه ، ثم انكشف أنه كان الفجر قد طلع وصام ، أنه لا قضاء لأنه غياه بتبين الفجر للصائم لا بالطلوع . .
وروي عن ابن عباس أنه بعث رجلين ينظران له الفجر ، فقال أحدهما : طلع الفجر ، وقال الآخر : لم يطلع . فقال اختلفتما ، فأكل وبان لا قضاء عليه . .
قال الثوري ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي ، وقال مالك : إن أكل شاكّاً في الفجر لزمه القضاء ، والقولان عن أبي حنيفة . .
وفي هذه التغيئة أيضاً دلالة على جواز المباشرة إلى التبين ، فلا يجب عليه الاغتسال قبل الفجر لأنه إذا كانت المباشرة مأذوناً فيها إلى الفجر لم يمكنه الاغتسال إلا بعد الفجر ، وبهذا يبطل مذهب أبي هريرة . والحسن يرى : أن الجنب إذا أصبح قبل الاغتسال إلا بعد الفجر ، وبهذا يبطل مذهب أبي هريرة . والحسن يرى : أن الجنب إذا أصبح قبل الاغتسال بطل صومه ، وقد روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كان يصبح جنباً من جماع وهو صائم ، وهذه التغيئة إنما هي حيث يمكن التبين من طريق المشاهدة ، فلو كانت مقمرة أو مغيمة ، أو كان في موضع لا يشاهد مطلع الفجر ، فإنه مأمور بالاحتياط في دخول الفجر ، إذ لا سبيل له إلى العلم بحال الطلوع ، فيجب عليه الإمساك إلى التيقن بدخول وقت الطلوع استبراءً لدينه . .
وذهب أبو مسلم أنه لا فطر إلا بهذه الثلاثة : المباشرة ، والأكل ، والشرب . وأما ما عداها من القيء ، والحقنة ، وغير ذلك ، فإنه كان على الإباحة ، فبقي عليهم . .
وأما الفقهاء فقالوا : خصت هذه الثلاثة بالذكر لميل النفس إليها ، وأما القيء ، والحقنة ، فالنفس تكرههما ، والسعوط نادر ، فلهذا لم يذكرها . .
ومن الأولى ، هي لابتداء الغاية ، قيل : وهي مع ما بعدها في موضع نصب ، لأن المعنى : حتى يباين الخيط الأبيض الخيط الأسود ، كما يقال : بانت اليد من زندها ، أي فارقته ، ومن ، الثانية للتبعيض ، لأن الخيط الأبيض هو بعض الفجر وأوله ، ويتعلق أيضاً يتبين ، وجاز تعلق الحرفين بفعل واحد ، وقد اتحد اللفظ لاختلاف المعنى ، فَمِنْ الأولى هي لابتداء الغاية ، ومِنْ الثانية هي للتبعيض . ويجوز أن يكون للتبعيض للخيطين معاً ، على قول الزجاج ، لأن الفجر عنده فجران ، فيكون الفجر هنا لا يراد به الإفراد ، بل يكون جنساً