@ 649 @ ففاتتهم الجنة ، وأضيفت إليهم من حيث كانوا مأمورين بها . قال السدي : ترفع لهم الجنة فينظرون إلى بيوتهم فيها ، لو أطاعوا الله تعالى ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله تعالى ، ثم تقسم بين المؤمنين فيرثونهم ، فذلك حين يندمون . وهذا معنى قول بعضهم ، إن أعمالهم قد أحبط ثوابها كفرهم ، لأن الكافر لا يثاب مع كفره . ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم ) ، وقد ذكر له أن ابن جدعان كان يصل الرحم ويطعم المسكين ، وسئل : هل ذلك نافعة ؟ قال : ( لا ينفعه ، إنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) ، ومنه قوله تعالى : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } . وقيل : المعنى أعمالهم التي تقربوا بها إلى رؤسائهم من تعظيمهم والانقياد لأمرهم . والظاهر أنها الأعمال التي اتبعوا فيها رؤساءهم وقادتهم ، وهي الكفر والمعاصي . وكانت حسرة عليهم ، لأنهم رأوها مسطورة في صحائفهم ، وتيقنوا الجزاء عليها ، وكان يمكنهم تركها والعدول عنها ، لو شاء الله . .
{ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } : هذا يدل على دخول النار ، إذ لا يقال : ما زيد بخارج من كذا إلا بعد الدخول . ولم يتقدم في الآية نص على دخولهم ، إنما تقدم رؤيتهم العذاب ومفاوضة بسبب تبرؤ المتبوعين من الأتباع ، وجاء الخبر مصحوباً بالباء الدالة على التوكيد . وقال الزمخشري : هم بمنزلته في قوله : .
هم يفرشون اللبد كل طمرّه .
في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم ، لا على الاختصاص . انتهى كلامه ، وفيه دسيسة اعتزال ، لأنه إذا لم يدل على الاختصاص ، لا يكون فيه رد لقول المعتزلة ، إن الفاسق يخلد في النار ولا يخرج منها . وأما قول صاحب المنتخب : إن الأصحاب احتجوا على أن صاحب الكبيرة من أهل القبلة ، إلى آخر كلامه ، فهو غير مسلم ، ولا دلالة في الآية على شيء من المذهبين . لأنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، وإنما في ذلك دلالة على نفي انطلاق زيد ، وأما أن في ذلك دلالة على اختصاصه بنفي الانطلاق ، أو مشاركة غيره له في نفي الانطلاق ، فلا إنما يفهم ذلك ، أعني الاختصاص ، بنفي الخروج من النار ، إذ المشاركة في ذلك من دليل خارج ، وهل النفي إلا مركب على الإيجاب ؟ فإذا قلت : زيد منطلق ، فليس في هذا دليل على شيء من الاختصاص ، ولا شيء من المشاركة ، فكذلك النفي ، وكونه قابلاً للخصومة والاشتراك ، يدل على ذلك . ألا ترى أنك تقول : زيد منطلق لا غيره ، وزيد منطلق مع غيره ؟ . .
وقد تضمنت هذه الآيات الشريفة . إخباره تعالى بأن الصفا والمروة من معالمه التي جعلها محملاً لعبادته ، وإن كان قد سبق غشيان المشركين لها ، وتقربهم بالأصنام عليها . وصرّح برفع الإثم عمن طاف بهما ممن حج أو اعتمر . ثم ذكر أن من تبرع بخير ، فإن الله شاكر لفعله ، عليم بنيته ، لما كان التطوّع يشتمل على فعل ونية ، ختم بهاتين الصفتين المتناسبتين . ثم أخبر تعالى عمن كتم ما أنزل الله من الحكم الإلهي من بعد ما بينه في كتابه ، لعنه الله وملائكته ومن يسوغ منه اللعن من صالحي عباده . ثم استثنى من تاب وأصلح ، وبين ما كتم . ولم يكتف بالتوبة فقط حتى أضاف إليها الإصلاح ، لأن كتم ما أنزل الله من أعظم الإفساد ، إذ فيه حمل الناس على غير المنهج الشرعي . وأضاف التبيين لما كتم حتى يتضح للناس وضوحاً بيناً ما كان عليه من الضلال ، وأنه أقلع عن ذلك ، وسلك نقيض فعله الأول ، فكان ذلك أدعى لزوال ما قرر أولاً من كتمان الحق وبضدها تتبين الأشياء .
ثم أخبر تعالى عن هؤلاء المستثنين ، أنه يتوب عليهم ، وأنه تعالى لا يتعاظم عنده ذنب ، وإن كان أعظم الذنوب ، إذا تاب العبد منه . ثم أخبر تعالى أنه التواب الرحيم ، بصفتي المبالغة التي في فعال وفعيل