@ 650 @ ولما ذكر تعالى حال المؤمنين المتسمين بالصبر والصلاة والحج ، وغير ذلك من أعمال البر ، وحال من ارتكب المعاصي ، ثم أقلع عن ذلك وتاب إلى الله . ذكر حال من وافى على الكفر ، وأنه تحت لعنة الله وملائكته والناس ، وأنهم خالدون في اللعنة ، غير مخفف عنهم العذاب ، ولا مرجؤن إلى وقت . ثم لما كان كفر معظم الكفار إنما هو لاتخاذهم مع الله آلهة { أَجَعَلَ الاْلِهَةَ إِلَاهاً واحِداً } ؟ { قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ } ؟ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ } ، وفي الحديث : ( أنهم يسألون فيقولون كنا نعبد عزيراً . .
أخبر تعالى أن الإله هو واحد لا يتعدد ولا يتجزأ ، ولا له مثيل في صفاته . ثم حصر الإلهية فيه ، فتضمن ذلك أنه هو المثيب المعاقب ، فوصف نفسه بهاتين الصفتين من الرحمانية والرحيمية . ثم أخذ في ذكر ما يدل على الوحدانية والانفراد بالإلهية . فبدأ بذكر اختراع الأفلاك العلوية ، والجرم الكثيف الأرضي ، وما يكون فيهما من اختلاف ما به السكون والحركة ، من الليل والنهار الناشئين عما أودع الله تعالى في العالم العلوي ، واختلاف الفلك ذاهبة وآيبة بما ينفع الناس الناشىء ذلك عما أودع في العالم السفلي ، وما يكون مشتركاً بين العالمين ، من إنزال الماء ، وتشقق الأرض بالنبات ، وانتشار العالم فيها . ولما ذكر أشياء في الأجرام العلوية ، وأشياء في الجرم الأرضي ، ذكر شيئاً مما هو بين الجرمين ، وهو تصريف الرّياح والسحاب ، إذ كان بذلك تتم النعمة المقتضية لصلاح العالم في منافعهم البحرية والبرية . ثم ذكر أن هذا كله هي آيات للعاقل ، تدله على وحدانية الله تعالى واختصاصه بالإلهية ، إذ من عبدوه من دون الله يعلمون قطعاً أنه لا يمكنه اقتدار على شيء مّا تضمنته هذه الآيات ، وأنهم بعض ما حوته الدائرة العلوية والدائرة السفلية ، وأن نسبتهم إلى من لم يعبدوه من سائر المخلوقات نسبة واحدة في الافتقار والتغير ، فلا مزية لهم على غيرهم إلا عند من سلب نور العقل ، وغشبته ظلمات الجهل . .
ثم ذكر تعالى ، بعد ذكر هذه البينات الواضحات الدالة على الوحدانية واستحقاق العبادة ، أن من الناس متخذي أنداد ، وأنهم يؤثرونهم ويحبونهم مثل محبة الله ، فهم يسوّون بين الخالق والمخلوق في المحبة ، { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } . ثم ذكر أن من المؤمنين أشدّ حبًّا لله من هؤلاء لأصناهم . ثم خاطب من خاطب بقوله : { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، حين عاينوا نتيجة اتخاذهم الأنداد ، وهو العذاب ، الحال بهم ، أي لرأيت أمراً عظيماً . ثم نبه على أن أندادهم لا طاقة لها ولا قوة بدفع العذاب عمن اتخذوهم ، لأن جميع القوى والقدر هي لله تعالى . ثم ذكر تعالى تبرؤ المتبوعين من التابعين وقت رؤية العذاب وزالت المودات التي كانت بينهم ، وأن التابعين تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يؤمنوا ويتبرؤوا من متبوعيهم حيث لا ينفع التمني ولا يمكن أن يقع ، فهو تمني مستحيل ، لأن الله تعالى قد حكم وأمضى أن لا عودة إلى الدنيا . ثم ذكرتعالى أنهم بعد رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب ، أراهم أعمالهم ندامات حيث لا ينفع الندم ، ليتضاعف بذلك الألم . ثم ختم ذلك بما ختم لهم من العذاب السرمدي والشقاء الأبدي . نعوذ بالله من يطا نقماته ، ونستنزل من كرمه العميم نشر رحماته . .
2 ( { ياأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى الاٌّ رْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُو