@ 597 @ صار يصلي إلى الكعبة . وتكون القبلة : هو المفعول الثاني ، والتي كنت عليها : هو المفعول الأول ، إذ التصيير هو الانتقال من حال إلى حال . فالمتلبس بالحالة الأولى هو المفعول الأول ، والمتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني . ألا ترى أنك تقول : جعلت الطين خزفاً ، وجعلت الجاهل عالماً ؟ والمعنى هنا على هذا التقدير : وما جعلنا الكعبة التي كانت قبلة لك أولاً ، ثم صرفت عنها إلى بيت المقدس ، قبلتك الآن إلا لنعلم . ووهم الزمخشري في ذلك ، فزعم أن التي كنت عليها : هو المفعول الثاني لجعل ، قال : التي كنت عليها ليس بصفة للقبلة ، إنما هي ثاني مفعولي جعل . تريد : وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها ، وهي الكعبة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة ، تألفاً لليهود ، ثم حوّل إلى الكعبة ، فيقول : وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولاً بمكة ، يعني : وما رددناك إليها إلا امتحاناً للناس وابتلاءً ، انتهى ما ذكره . .
وقد أوضحنا أن التي كنت عليها : هو المفعول الأول . وقيل : هذا بيان لحكمة جعل بيت المقدس قبلة . والمعنى : وما جعلنا متوجهك بيت المقدس إلا لنعلم ، فيكون ذلك على معنى : أن استقبالك بيت المقدس هو أمر عارض ، ليتميز به الثابت على دينه من المرتدّ . وكل واحد من الكعبة وبيت المقدس صالح بأن يوصف بقوله : التي كنت عليها ، لأنه قد كان متوجهاً إليهما في وقتين . وقيل : التي كنت عليها صفة للقبلة ، وعلى هذا التقدير اختلفوا في المفعول الثاني ، فقيل : تقديره : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة إلا لنعلم . وقيل : التقدير : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة إلا لنعم . وقيل : ذلك على حذف مضاف ، أي وما جعلنا صرف القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ، ويكون المفعول الثاني على هذا قوله : لنعلم ، كما تقول : ضرب زيد للتأديب ، أي كائن وموجود للتأديب ، أي بسبب التأديب . وعلى كون التي صفة ، يحتمل أن يراد بالقبلة : الكعبة ، ويحتمل أن يراد بيت المقدس ، إذ كل منهما متصف بأنه كان عليه . وقال ابن عباس : القبلة في الآية : الكعبة ، وكنت بمعنى : أنت ، كقوله تعالى : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } بمعنى : أنتم . انتهى . وهذا من ابن عباس ، إن صح تفسير معنى ، لا تفسير إعراب ، لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم والناصبة للخبر ، وهذا لم يذهب إليه أحد . وإنما تفسير الإعراب على هذا التقدير ، ما نقله النحويون ، أن كان تكون بمعنى صار ، ومن صار إلى شيء واتصف به ، صح من حيث المعنى نسبة ذلك الشيء إليه . فإذا قلت : صرت عالماً ، صح أن تقول : أنت عالم ، لأنك تخبر عنه بشيء هو فيه . فتفسير ابن عباس : كنت بأنت ، هو من هذا القبيل ، فهو تفسير معنى ، لا تفسير إعراب . وكذلك من صار خير أمّة ، صح أن يقال فيه : أنتم خير أمّة . .
إلا لنعلم : استثناء مفرّغ من المفعول له ، وفيه حصر السبب ، أي ما سبب تحويل القبلة إلا كذا . وظاهر قوله : لنعلم ، ابتداء العلم ، وليس المعنى على الظاهر ، إذ يستحيل حدوث علم الله تعالى . فأول على حذف مضاف ، أي ليعلم رسولنا والمؤمنون ، وأسند علمهم إلى ذاته ، لأنهم خواصه وأهل الزلفى لديه . فيكون هذا من مجاز الحذف ، أو على الحذف ، أو على إطلاق العلم على معنى التمييز ، لأن بالعلم يقع التمييز ، أي لنميز التابع من الناكص ، كما قال تعالى : { حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ } ، ويكون هذا من مجاز إطلاق السبب ، ويراد به المسبب . وحكي هذا التأويل عن ابن عباس ، أو على أنه أراد ذكر علمه وقت موافقتهم الطاعة أو المعصية ، إذ بذلك الوقت يتعلق الثواب والعقاب . فليس المعنى لنحدث العلم ، وإنما المعنى لنعلم ذلك موجوداً ، إذ الله قد علم في القدم من يتبع الرسول . واستمر العلم حتى وقع حدوثهم ، واستمرّ في حين الاتباع والانقلاب ، واستمر بعد ذلك . والله تعالى متصف في كل ذلك بأنه يعلم ، ويكون هذا قد كنى فيه بالعلم عن تعلق العلم ، أي ليتعلق علمنا بذلك في حال وجوده . أو على أنه أراد بالعلم التثبيت ، أي لنثبت التابع ، ويكون من إطلاق السبب ، ويراد به المسبب ، لأن من علم الله أنه متبع للرسول ، فهو ثابت الاتباع . أو على أنه أريد