@ 585 @ والمجرور ، لا يجوز حذف ذلك الظرف ولا المجرور ، ولذلك حين ذكرنا وجه الإغراء قدرناه بالزموا صبغة الله . وتقدم الكلام على العبادة في قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، وأما هنا فقيل : عابدون موحدون ، ومنه : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } ، أي ليوحدون . وقيل : مطيعون متبعون ملة إبراهيم وصبغة الله . وقيل : خاضعون مستكينون في اتباع ملة إبراهيم ، غير مستكبرين ، وهذه أقوال متقاربة . .
{ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِى اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } : سبب النزول ، قيل : إن اليهود والنصارى قالوا : يا محمد إن الأنبياء كانوا منا ، وعلى ديننا ، ولم تكن من العرب ، ولو كنت نبياً ، لكنت منا وعلى ديننا . وقيل : حاجوا المسلمين فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه وأصحاب الكتاب الأول ، وقبلتنا أقدم ، فنحن أولى بالله منكم ، فأنزلت . قرأ الجمهور : أتحاجوننا بنونين ، إحداهما نون الرفع ، والأخرى الضمير ؟ وقرأ زيد بن ثابت ، والحسن ، والأعمش ، وابن محيصن : بإدغام النون في النون ، وأجاز بعضهم حذف النون . أما قراءة الجمهور فظاهرة ، وأما قراءة زيد ومن ذكر معه ، فوجهها أنه لما التقى مثلان ، وكان قبل الأول حرف مدّ ولين ، جاز الإدغام كقولك : هذه دار راشد ، لأن المد يقوم مقام الحركة في نحو : جعل لك . وأما جواز حذف النون الأولى ، فوجهه من أجاز ذلك على قراءة من قرأ : فبم تبشرون ، بكسر النون ، وأنشدوا : % ( تراه كالثغام يعل مسكا % .
يسوء الفاليات إذا فليني .
) % .
يريد : فلينني . والخطاب بقوله : قل للرسول ، أو للسامع ، والهمزة للاستفهام مصحوباً بالإنكار عليهم ، والواو ضمير اليهود والنصارى . وقيل : مشركو العرب ، إذ قالوا : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . وقيل : ضمير اليهود والنصارى والمشركين . والمحاجة هنا : المجادلة . والمعنى : أتجادلوننا في شأن الله واصطفائه النبي من العرب دونكم ، وتقولون لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا ، وترونكم أحق بالنبوّ منا ؟ { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } : جملة حالية ، يعني أنه مالكهم كلهم ، فهم مشتركون في العبودية ، فله أن يخص من شاء بما شاء من الكرامة . والمعنى : أنه مع اعترافنا كلنا أنا مربوبون لرب واحد ، فلا يناسب الجدال فيما شاء من أفعاله ، وما خص به بعض مربوباته من الشرف والزلفى ، لأنه متصرف في كلهم تصرف المالك . وقيل المعنى : أتجادلوننا في دين الله ، وتقولون إن دينكم أفضل الأديان ، وكتابكم أفضل الكتب ؟ والظاهر إنكار المجادلة في الله ، حيث زعمت النصارى أن الله هو المسيح ، وحيث زعم بعضهم أن الله ثالث ثلاثة ، وحيث زعمت اليهود أن الله له ولد ، وزعموا أنه شيخ أبيض الرأس واللحية ، إلى ما يدعونه فيه من سمات الحدوث والنقص ، تعالى الله عن ذلك ، فأنكر عليهم كيف يدعون ذلك ، والرب واحد لهم ، فوجب أن يكون الاعتقاد فيه واحداً ، وهو أن تثبت صفاته العلا ، وينزه عن الحدوث والنقص . .
{ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ، المعنى : ولنا جزاء أعمالنا ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . والمعنى : أن الرب واحد ، وهو المجازي على الأعمال ، فلا تنبغي المجادلة فيه ولا المنازعة . { وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ } : ولما بين القدر المشترك من الربوبية والجزاء ، ذكر ما يميز به المؤمنون من الإخلاص لله تعالى في العمل والاعتقاد ، وعدم الإشراك الذي هو موجود في النصارى وفي اليهود ، لأن من عبد موصوفاً بصفات الحدوث والنقص ، فقد أشرك مع الله إلهاً آخر . والمعنى : أنا لم نشب عقائدنا