@ 586 @ وأفعالنا بشيء من الشرك ، كما ادعت اليهود في العجل ، والنصارى في عيسى . وهذه الجملة من باب التعريض بالذم ، لأن ذكر المختص بعد ذكر المشترك نفي لذلك المختص عمن شارك في المشترك ، ويناسب أن يكون استطراداً ، وهو أن يذكر معنى يقتضي أن يكون مدحاً لفاعله وذماً لتاركه ، نحو قوله : % ( وأنا لقوم ما نرى القتل سبة % .
إذا ما رأته عامر وسلول .
) % .
وهي منبهة على أن من أخلص لله ، كان حقيقاً أن يكون منهم الأنبياء وأهل الكرامة ، وقد كثرت أقوال أرباب المعاني في الإخلاص . فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال : ( سألت جبريل عن الإخلاص ما هو ؟ فقال : سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو ؟ فقال : سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي ) . وقال سعيد بن جبير : الإخلاص : أن لا يشرك في دينه ، ولا يرائي في عمله أحداً . وقال الفضيل : ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وقال ابن معاذ : تمييز العمل من الذنوب ، كتمييز اللبن من بين الفرث والدم . وقال البوشنجي : هو معنى لا يكتبه الملكان ، ولا يفسده الشيطان ، ولا يطلع عليه الإنسان ، أي لا يطلع عليه إلا الله . وقال رويم : هو ارتفاع عملك عن الرؤية . وقال حذيفة المرعشي : أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن . وقال أبو يعقوب المكفوف : أن يكتم العبد حسناته ، كما يكتم سيئاته . وقال سهل : هو الإفلاس ، ومعناه أن يرجع إلى احتقار العمل . وقال أبو سليمان الداراني : للمرائي ثلاث علامات : يكسل إذا كان وحده ، وينشط إذا كان في الناس ، ويزيد في العمل إذا أثني عليه . وهذا القول الذي أمر به صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله على وجه الشفقة والنصيحة في الدين ، لينبهوا على أن تلك المجادلة منكم ليست واقعة موقع الصحة ، ولا هي مما ينبغي أن تكون . وليس مقصودنا بهذا التنبيه دفع ضرر منكم ، وإنما مقصودنا نصحكم وإرشادكم إلى تخليص اعتقادكم من الشرك ، وأن تخلصوا كما أخلصنا ، فنكون سواء في ذلك . .
{ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى } : قرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : أم تقولون بالتاء ، وقرأ الباقون بالياء . فأما قراءة التاء ، فيحتمل أم فيه وجهين . أحدهما : أن تكون فيه أم متصلة ، فالاستفهام عن وقوع أحد هذين الأمرين : المحاجة في الله ، والادعاء على إبراهيم ومن ذكر معه ، أنهم كانوا يهوداً ونصارى ، وهو استفهام صحبه الإنكار والتقريع والتوبيخ ، لأن كلاً من المستفهم عنه ليس بصحيح .