@ 584 @ وسمي ذلك بالصبغة من حيث إن قوى الإنسان ، إذا اعتبرت ، جرت مجرى الصبغة في المصبوغ ، ولما كانت النصارى ، إذا لقنوا أولادهم النصرانية يقولون : نصرناه ، فقال : إن الإيمان بمثل ما آمنتم به صبغة الله . .
وقرأ الجمهور : صبغة الله بالنصب ، ومن قرأ برفع ملة ، قرأ برفع صبغة ، قاله الطبري . وقد تقدّم أن تلك قراءة الأعرج وابن أبي عبلة . فأما النصب ، فوجه على أوجه ، أظهرها أنه منصوب انتصاب المصدر المؤكد عن قوله : { قُولُواْ ءامَنَّا بِاللَّهِ } . وقيل : عن قوله : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . وقيل : عن قوله : { فَقَدِ اهْتَدَواْ } وقيل : هو نصب على الإغراء ، أي الزموا صبغة الله . وقيل : بدل من قوله : { مِلَّةِ إِبْراهِيمَ } ، أما الإغراء فتنافره آخر الآية وهو قوله : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } ، إلا إن قدر هناك قول ، وهو إضمار ، لا حاجة تدعو إليه ، ولا دليل من الكلام عليه . وأما البدل ، فهو بعيد ، وقد طال بين المبدل ومنه والبدل بجمل ، ومثل ذلك لا يجوز . والأحسن أن يكون منتصباً انتصاب المصدر المؤكد عن قوله : { قُولُواْ ءامَنَّا } ، فإن كان الأمر للمؤمنين ، كان المعنى : صبغنا الله بالإيمان صبغة ، ولم يصبغ صبغتكم . وإن كان الأمر لليهود والنصارى ، فالمعنى : صبغنا الله بالإيمان صبغة لا مثل صبغتنا ، وطهرنا به تطهيراً لا مثل تطهيرنا . ونظير نصب هذا المصدر نصب قوله : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء } ، إذ قبله : { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ * وَيُنْشِىء السَّحَابَ } ، معناه : صنع الله ذلك صنعه ، وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريق المشاكلة ، كما تقول لرجل يغرس الأشجار : اغرس كما يغرس فلان ، يريد رجلاً يصطنع الكرم . وأما قراءة الرفع ، فذلك خبر مبتدأ محذوف ، أي ذلك الإيمان صبغة الله . .
{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً } : هذا استفهام ومعناه : النفي ، أي ولا أحد أحسن من الله صبغة . وأحسن هنا لا يراد بها حقيقة التفضيل ، إذ صبغة غير الله منتف عنها الحسن ، أو يراد التفضيل ، باعتبار من يظن أن في صبغة غير الله حسناً ، لا أن ذلك بالنسبة إلى حقيقة الشيء . وانتصاب صبغة هنا على التمييز ، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ . وقد ذكرنا أن ذلك غريب ، أعني نص النحويين على أن من التمييز المنقول تمييزاً نقل من المبتدأ ، والتقدير : ومن صبغته أحسن من صبغة الله . فالتفضيل إنما يجري بين الصبغتين ، لا بين الصابغين . .
{ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } : متصل بقوله : { بِاللَّهِ فَإِذَا } ، ومعطوف عليه . قال الزمخشري : وهذا العطف يرد قول من زعم أن صبغة الله بدل من ملة ، أو نصب على الإغراء ، بمعنى : عليكم صبغة الله ، لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه واتساقه . وانتصابها يعني : صبغة الله على أنها مصدر مؤكدة ، هو الذي ذكره سيبويه ، والقول ما قالت حذام . انتهى . وتقديره : في الإغراء عليكم صبغة الله ليس بجيد ، لأن الإغراء ، إذ كان بالظرف