@ 464 @ فيه ، وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه ، انتهى . .
{ وَالَّيْلِ إِذَا يَسْرِ } : قسم بجنس الليل ، ويسري : يذهب وينقرض ، كقوله : { وَالَّيْلِ إِذَا * أَدْبَرَ } . وقال الأخفش وابن قتيبة : يسري فيه ، فيكون من باب ليلك نائم . وقال مجاهد وعكرمة والكلبي : المراد ليلة جمع لأنه يسري فيها ، وجواب القسم محذوف . قال الزمخشري : وهو لنعذبن ، يدل عليه قوله : { أَلَمْ تَرَ } إلى قوله : { فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } . وقال ابن الأنباري : الجواب : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } . والذي يظهر أن الجواب محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة الغاشية ، وهو قوله : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } ، وتقديره : لإيابهم إلينا وحسابهم علينا . وقول مقاتل : هل هنا في موضع تقديره : إن في ذلك قسماً لذي حجر . فهل على هذا في موضع جواب القسم ، قول لم يصدر عن تأمل ، لأن المقسم عليه على تقدير أن يكون التركيب إن في ذلك قسماً لذي حجر لم يذكر ، فيبقى قسم بلا مقسم عليه ، لأن الذي قدره من إن في ذلك قسماً لذي حجر لا يصح أن يكون مقسماً عليه ، وهل في ذلك تقرير على عظم هذه الأقسام ، أي هل فيها مقنع في القسم لذي عقل فيزدجر ويفكر في آيات الله . ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصوداً بذلك توعد قريش ، ونصب المثل لها . وعاد هو عاد بن عوص ، وأطلق ذلك على عقبه ، ثم قيل للأولين منهم عاداً الأولى وإرم ، نسبة لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة . وقال مجاهد وقتادة : هي قبيلة بعينها . وقال ابن إسحاق : إرم هو أبو عاد كلها . .
وقال الجمهور : إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن . وقال محمد بن كعب : هي الإسكندرية . وقال ابن المسيب والمقبري : هي دمشق . وقال مجاهد أيضاً : إرم معناه القديمة . وقرأ الجمهور : بعاد مصر ، وفا إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة ، وعاد ، وإن كان اسم القبيلة ، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أولاً يلحظ ، فجاء على لغة من صرف هنداً ، وإرم عطف بيان أو بدل . وقرأ الحسن : بعاد غير ممنوع الصرف مضافاً إلى إرم ، فجاز أن يكون إرم وجداً ومدينة ؛ والضحاك : إرم بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف . وقرأ ابن الزبير : بعاد بالإضافة ، إرم بفتح الهمزة وكسر الراء ، وهي لغة في المدينة ، والضحاك : بعاد مصروفاً ، وبعاد غير مصروف أيضاً ، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف أرم بكسر الراء ؛ وعن ابن عباس والضحاك : أرم فعلاً ماضياً ، أي بلي ، يقال : رم العظم وأرم هو : أي بلي ، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي . وذات على هذه القراءة مكسورة التاء ؛ وابن عباس أيضاً : فعلاً ماضياً ، ذات بنصب التاء على المفعول به ، وذات بالكسر صفة لإرم ؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة ، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله : { لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَادِ } ، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلاً أو عطف بيان ، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف ، أي بعاد أهل إرم ذات العماد . .
وقرىء : { إِرَمَ ذَاتِ } ، بإضافة إرم إلى ذات ، والإرم : العلم ، يعني بعاد : أعلام ذات العماد . ومن قرأ : أرم فعلاً ماضياً ، ذات بالنصب ، أي جعل الله ذات العماد رميماً ، ويكون { إِرَمَ } بدلاً من { فَعَلَ رَبُّكَ } وتبييناً لفعل ، وإذا كانت { ذَاتِ الْعِمَادِ } صفة للقبيلة . فقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم ، ومنه قيل : رفيع العماد ، شبهت قدودهم بالأعمدة ، ومنه قولهم : رجل عمد وعمدان أي طويل . وقال عكرمة ومقاتل : أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود . وقال ابن زيد : أعمدة بنيانهم ، وإذا كانت صفة للمدينة ، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها . وقيل : القصور العالية والأبراج يقال لها عماد . وحكي عن مجاهد : أرم مصدر ، أرم يأرم إذا هلك ، والمعنى : كهلاك ذات العماد ، وهذا قول غريب ، كأن معنى { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ } : كيف أهلك عاداً كهلاك ذات العماد . وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد ، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها ، وأن الله تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعاً ، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشيء منها في الكشاف . .
وقرأ الجمهور : { لَمْ يُخْلَقْ } مبنياً للمفعول ، مثلها رفع ؛ وابن الزبير : مبنيا